اخترقت ثلاث رصاصات أطلقها مسلح مجهول جسد الكاتب الأردني ناهض حتر أمام قصر العدل في عمان. مشهد يتجاوز إرهاب الفكر إلى إرهاب العدالة. وقد كان الكاتب اليساري الأردني المعروف قد خرج من السجن بكفالة على ذمة اتهامه بالإساءة الدينية بعد أن اختار رسما كاريكاتوريا على صفحته في الفيس بوك، وهو الرسم الذي اعتبره كثيرون مسيئا للذات الإلهية فأزاله من صفحته التي أغلقها فيما بعد، مؤكدا أن من أثارهم الأمر نوعان من البشر الأول (طيبون) صدقوا فعلا أنه يقصد الإساءة للذات الإلهية والآخرون ما بين متشددين ودواعش وجدوها فرصة لتصفية حساباتهم معه. هكذا بكل بساطة ينفذ شخص مجهول (قد يكون متشددا أو مختلا أو جاهلا غرر به المحرضون) قانونه الخاص على مرأى من الجميع، وعلى أبواب قصر العدل وكأنه المعني الوحيد بدفع الإساءة عن الذات الإلهية!. أما الدولة والمجتمع وسائر المسلمين الذين يملأون المساجد فهم من وجهة نظر القاتل (متساهلون) لا يتعاملون مع الموضوع بالجدية الكافية.. يضع هذا الشخص المجهول يده على الزناد ليبدأ مهمته المرعبة: التقرب إلى الله من خلال قتل إنسان لا يعرفه بسبب قيامه بكتابة شيء لم يقرأه، ولكن قال له المحرضون إنه إساءة إلى الدين تستوجب القتل الفوري لصاحبها وعدم إضاعة الوقت في جلسات المحكمة. ناهض حتر ليس المثقف العربي الأول الذي يتعرض للتصفية الجسدية بهذه الطريقة من قبل شخص مجهول.. سبقه فرج فوده ونجيب محفوظ وقائمة طويلة من المثقفين والمفكرين والأدباء العرب.. فمن فاتته فرصة السجن بسبب كلمة أسيء تفسيرها قتل في الشارع من شخص مجهول.. يا لهذا المجهول الذي لا يريد تفسيرا غير تفسيرات محرضيه ولا يسعى لمعرفة شيء قدر سعيه لمعرفة كيفية تنظيف الدماء العالقة بثيابه قبل الدخول إلى الجنة! الإساءة إلى الذات الإلهية تعتبر جريمة في قوانين أغلب الدول العربية، والمؤسسات القضائية هي الوحيدة المخولة بفحص جدية الاتهامات التي تطال أي إنسان، متى ما هب (الغيورون) على مزاجهم ضاعت هيبة القانون وأصبح الإرهاب هو سيد الموقف!.. وإذا كانت رصاصات هذا الشخص المجهول اليوم تطال المثقفين والإعلاميين بسبب تفسيرات مختلف عليها فإنها ستصل غدا إلى الجميع بما في ذلك أوساط المحرضين أنفسهم، فمسدس الشخص المجهول لا عقل له.