ظهرت مقدّمة «ربط» البرامج على شاشة التلفزيون بكامل غنجها و»استنفاخاتها» لتنقل المشاهد من فقرة إلى أخرى، وهي تتلوّى كأنموذج حيوي للغِوَى الحرّاق، والاستدراج البرّاق، وكمثالٍ ساطعٍ لاطعٍ للدلع الثقافي الفني الحديث! وبما أنها صلة «الوصْل» بين كل ما يقدَّم، فإنّ بروزها على الشاشة يتكرّر عند نهاية كل فقرة. ولقد لعب «دلالها» دوراً بارزاً لتكون مؤهّلة لوظيفة «رابطة» فقرات، وذلك من قِبَل أهل الحلّ و»الربط» في المحطة! وكانت إطلالتها المتفّردة تثير الدهشة والذهول والفضول، وتوسّع حدقات عيون المشاهدين، فهي «يا دوب لابسة هدوم»! وبما أن الصورة هي لغة الفن المرئي ومنها التلفزيون، فقد حَظِيَتْ هذه «المقدّمة» الدلّوعة بالمكان والمكانة التي تُبرز مزايا مفاتنها المرئية والسمعية، بحيث إنها وضعت بعناية فائقة تفاصيل مفردات لغتها في فنّ التقديم، لتنشر ما تختزنه من سحر «البيان والبديع»، معتمدة بشكل مركزي على «القبض» والصرف والنحو، وذلك للمحافظة على «قواعد الإعراب»، وعلى كل ما يطلبه العرب و»الأعراب»! ولتأكيد أهمية وفعالية وجدوى هذا الأسلوب الجديد، وهذه اللغة المرئية المبتكرة، والجهاد في سبيل تعميمها، التي كَثُرَت فيها كلّ أدوات «النَّصب»! وأُطْلقتْ إلى آخر مدى الحرية ل»جمع المؤنّث» الذي لم يعد «سالماً»، ليلتقي ويتحاور مع «جمع المذكّر» «المستسلم»!وبرع «نحاة» المحطّات، وأصحاب «الفقه» المرئي، في كسر كل ما قاله «أبوالأَسْوَد الدؤلي»، ولعنوا أبو «سنسفيل» ما أدلى به «الفراهيدي»، وهشَّموا جمجمة «سيبويه» و»نفطويه»، وكل ما له علاقة بصحيح الكلام في الفصحى والعامية. واستطاعت «المقدّمة» الآنفة الوصْف والتنويه والذكر، أن تزيل العوائق وتمهد الطرقات والسُبُل وسائر «الأسابيل» -على حدّ قولها- كذلك فإنها نوَّهت بالزميل «خ. خ» وسائر «الأزاميل» -وأيضاً على حدّ قولها- وحَذَفَتْ نهائياً «لا» النافية للجنس! وكُرِّست بعدها، وفي كل شيء «نون النسوة» بإغراءات متنوعة، من «المبتدأ» إلى مرحلة القبول، والتأكد من عدم تسرّب وإشاعة «الخبر»! ولقد أُهملت بالكامل «واو الجماعة»، وغابت «الضمائر»؛ فكثُرت الأفعال «المبنية للمجهول»!أما «لا» الناهية فهي غائبة عن السمع والنظر، فالكل غاطس، فاطس، عاطس، يراقب «الكسرة» الظاهرة على آخره. وكان يُطلق على كل فضيحة «فعلية» تحصل في المحطّة بأنها مجرّد وَهْم بقصد التشفّي والغيرة والحسد، فهي دائماً من «المشبّه بالفعل» وليست فعلاً حقيقياً! لذلك فقد بقيت «إنّ» وأخواتها في منأى عن الشاشة ودهاليز قواميسها ومعاجمها إلى أن يقضي الله أمراً كان «مفعولاً»! سقى الله أيام «ألفية ابن مالك» التي كانت تعلِّم العرب قواعد الإعراب، وبارك الله لنا بهذه «اللغة الجديدة»، التي أصبحت عارية من دون ورقة تين أو ورقة توت أو حتى ورقة «كلينكس»!وإننا اليوم في قمة التفاؤل، حيث إننا سندفع كل ديوننا «المتأخرة» بواسطة تلك «المقدِّمة» ومثيلاتها الكثيرات من رائدات الدلع المرئي المتفتّح المنفتح! بارك الله ببلاد ماتتْ فيها كل علامات الاستفهام، وانتعشت على أرضها جميع علامات «التعجُّب»!