وصف وزير الخارجية، عادل الجبير، سياسة المملكة ب «عملية براغماتية وليست مؤدلجة»، داعياً إيران إلى احترام القانون الدولي الذي يمنع إيواء الإرهابيين. ولفت الوزير، خلال محاضرةٍ أمس في لندن في تشاتام هاوس «المعهد الملكي للعلاقات الدولية»، إلى عدم وجود طموحاتٍ للمملكة تتجاوز حدودها. وشدَّد، بحسب ما أورد الحساب الرسمي لوزارة الخارجية على موقع «تويتر»، على وجوب استناد الحلّ في اليمن وسوريا إلى القرارات الدولية، مشيراً إلى مسؤولية إيران أمام الله عن منع مواطنيها من أداء الحج هذا العام برفضها توقيع الاتفاقيات المنظِّمة للحج التي وقّعتها بقية الدول. ولدى وجوده في لندن؛ تحدث وزير الخارجية أمام الحاضرين في تشاتام هاوس، واجتمع مع عددٍ من البرلمانيين في مقر البرلمان البريطاني، وزار مقر صحيفة «الشرق الأوسط»، فيما أدلى في مقر السفارة السعودية بتصريحاتٍ لعددٍ من الصحفيين والإعلاميين البريطانيين والعرب. وذكَّر الوزير بأن إعلان «جنيف 1»، الصادر قبل أكثر من 4 أعوام، دعا إلى مغادرة بشار الأسد الأراضي السورية وانتقال السلطة في دمشق من دونه، إذ لا يستطيع الشعب السوري قبول الأسد على رأس السلطة بعدما ألحق ببلاده قتلاً وتهجيراً وتدميراً. واعتبر الجبير الشعب السوري صاحب القرار في بدء فترة الانتقال السياسي التي يجب أن تكون دون الأسد. ولاحظ، لدى حديثه خلال اللقاءات الصحفية، أن الوضع السوري لم يتغيَّر، مستبعداً احتمالية تغيير الأسد، الذي لا يزال يمارس قمع المدنيين، نهجه خلال الفترة المقبلة. في الوقت نفسه؛ تحدث الجبير عن رؤية المعارضة السورية لحل الأزمة، ووصفها بالجديَّة، لافتاً إلى اشتمالها على انتقال السلطة وتكريس العملية الديمقراطية. في حين لاحظ عدم طرح نظام الأسد في المقابل أي خطةٍ بديلةٍ للوصول إلى حل، مؤكداً أن المملكة لا تدعم أياً من الأطراف إلا من خلال قوات التحالف الدولي وبحسب قرارات الأممالمتحدة التي سبق أن حددت «داعش» و»جبهة النصرة» منظمتين إرهابيتين. وأشار الجبير إلى استمرار المباحثات بين روسياوأمريكا بشأن وقف لإطلاق النار في سوريا. وقال إن المباحثات ما زالت جارية، وهناك احتمالاتٌ للتوصل إلى تفاهمٍ حول هذا الشأن، الذي تتحدد بعده جدية الأسد وحلفائه في مبدأ وقف إطلاق النار. وأكد الجبير، في تعليقٍ على العلاقات بين المملكة وموسكو، تمتعهما بعلاقاتٍ تتعدَّى الإطار السوري، إذ يحاول البلدان تطويرها وتعميقها وتقويتها على الرغم من الخلاف بشأن الوضع في سوريا، مبيِّناً أن لديهما تفاهماتٍ حتى لا يؤثر هذا الخلاف على العلاقات بينهما. في الشأن اليمني؛ ذكَّر وزير الخارجية بأن المملكة لم تبدأ الحرب، بل بدأها الحوثيون وعلي صالح الذين استولوا على سلطة شرعية وخرقوا الاتفاق الذي تم التوصل إليه من خلال الحوار الوطني اليمني، كما انتهكوا قرار الأممالمتحدة 2216. ووصف الوزير الحرب بأنها دفاعية لحماية الشرعية اليمنية وردع التهديد عن حدود المملكة. ولفت الانتباه إلى دعم المملكة المفاوضات اليمنية، بيد أن الحوثيين وعلي صالح رفضوا المقترح الذي طرحه الممثل الخاص للأمم المتحدة في اليمن. وذكَّر الجبير أيضاً بأن المملكة أعلنت وقف إطلاق النار لمدة 6 أشهر، لكن الحوثيين وصالح أطلقوا ما يزيد على 20 صاروخاً باليستياً في اتجاه الأراضي السعودية وقتلوا الجنود المرابطين على الحدود، ومع ذلك التزمت المملكة بضبط النفس، متابعاً «عندما فشلت المفاوضات؛ كان للمملكة كل الحق في الدفاع عن حدودها». وردًا على مزاعمٍ عن استهداف مستشفيات ومدارس؛ وصف الوزير هذه الاتهامات بغير دقيقة وغير عادلة ومنحازة، ملاحظاً اعتمادها على جانبٍ واحد وعدم نظرها إلى الحقيقة من كل زواياها. وأوضح «المملكة تقوم بالتحقيقات اللازمة في هذا الشأن، لكن يجب الأخذ في الاعتبار أن الحوثيين يجعلون من المستشفيات والمدارس مستودعاتٍ للأسلحة، وعندما تكون هذه المستشفيات والمدارس مستودعات أسلحة وتُستهدَف عسكرياً بحكم أنها منشآت عسكرية يُصوِّر الحوثيون للعالم أن المستهدَف هو مستشفيات ومدارس، لكن المملكة تسعى إلى تصحيح الخطأ ومعالجة الوضع إن وُجِدَ بحسب القوانين الدولية»، مستشهداً بالأخطاء التي وقع فيها البريطانيون والأمريكيون في حربي العراق وأفغانستان. ولاحظ الجبير دأب الحوثيين على استخدام المدنيين دروعاً بشرية داخل المناطق المستهدفة. وأشار إلى ما زعمه البعض من أن المملكة تستهدف المدنيين خاصةً الزعم بخصوص مقتل 120 يمنياً في حفلٍ زفافٍ في صنعاء «مع أن قوات التحالف لم تحلِّق في صنعاء في تلك الأيام، بل الذي جرى أن قصفاً حوثياً مدفعياً ثقيلاً استهدف هذه المنطقة بشكل عشوائي بعد تنفيذ طائرات التحالف (العربي) ضرباتٍ دقيقةٍ ضد أهداف عسكرية، وذلك من أجل أن يصوِّروا للعالم أن هذا ما تفعله المملكة وقوات التحالف في اليمن». ورداً على ادعاء منظمة «أطباء بلا حدود» استهداف مستشفياتٍ في اليمن؛ شدد «ليس من أهداف المملكة العربية السعودية استهداف المنشآت اليمنية، لافتاً إلى التنسيق مع المنظمة في التحقيق حول هذه المزاعم للوصول إلى الحقيقة. وأوضح الجبير أن المملكة لا تود إيجاد عداءٍ مع الشعب اليمني. واستدلَّ باستقبالها منذ بدء الأزمة ما يزيد على 4 ملايين يمني لا يوجد منهم لاجئ واحد بل هم مقيمون نظاميون يتلقى أبناؤهم التعليم في المدارس السعودية، كما تستقبلهم المستشفيات للعلاج، حرصاً من حكومة خادم الحرمين الشريفين على استمرار العلاقة الودية مع الشعب اليمني. ووصف الجبير الحوثيين بأنهم مجموعة قليلة لا تتجاوز 50 ألفاً من مجموع اليمنيين ومع ذلك تختطف اليمن، متسائلاً «هل يُعقَل أن يسيطر هذا العدد القليل على اليمن بالقوة؟». وحول التدخلات الإيرانية في شؤون الدول الأخرى؛ لاحظ وزير الخارجية قطع كثيرٍ من الدول علاقاتها مع طهران مثل الصومال والسودان وجيبوتي وغيرها، ما يوضح عزلة النظام الإيراني ويبعث إليه برسالة واضحة مفادها وجوب التوقف عن تصرفاته. وأشار الجبير، في هذا الصدد، إلى بيان قمة منظمة التعاون الإسلامي التي انعقدت في أسطنبول في أبريل الماضي. وأدان البيان تدخل إيران في شؤون المنطقة ودعمها المنظمات الإرهابية، كما أدان ما يسمى بحزب الله واستخدام طهران الطائفية، فيما صوَّت عليه أكثر من 50 دولة. ولفت الجبير النظر إلى محاولة النظام الإيراني تسييس الحج من أجل تحقيق مكاسب سياسية وهو الشيء الذي يرفضه العالم الإسلامي. واستدلَّ برفض إيران توقيع اتفاقية الحج على الرغم من التسهيلات التي قدمتها حكومة المملكة، مما أضاع فرصاً على الحجاج الإيرانيين الذين كانوا ينوون الحج هذا العام، فضلاً عن التسبب في مشكلاتٍ لمن ينوي منهم أداء الفريضة في الأعوام المقبلة. وذكَّر الجبير بأن المملكة لم تغتل دبلوماسيين إيرانيين، ولم تقتحم السفارات الإيرانية، ولم تهرِّب الأسلحة إلى الداخل الإيراني لدعم الأقليات، ولم تتدخل في دول الجوار، ولم تدفع بالطائفية، وفي المقابل ومع توقيع الاتفاق النووي صعّدت طهران من لهجتها العدائية، وهذا مُشاهَد في لبنانوسوريا واليمن والبحرين، كما حاولت تهريب الأسلحة إلى داخل المملكة والكويت، بينما لا يوجد دليل واحد يشير إلى علاقة المملكة بالإرهاب أو دعمه رغم ما يشاع من مزاعم. وجدَّد الجبير اتهامه إيران بدعم الإرهاب وتنظيم القاعدة، متسائلاً «لماذا لا تهاجِم الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة إيران». وتابع بقوله «لعلَّ الأوراق التي حصلت عليها أمريكا بعد مقتل أسامة بن لادن تشير إلى إيران، كما أن وجود قيادات القاعدة في إيران وعدم تسليمها لهم يدل على علاقتها بالتنظيم»، مشيراً إلى سجلٍ حافلٍ بضلوع طهران في تنفيذ هجمات في أوروبا وآسيا وإفريقيا وحتى أمريكا اللاتينية، فضلاً عن قتل الجنود الأمريكيين والبريطانيين في العراق والاستمرار في خرق جميع القوانين الدولية. إلى ذلك؛ لاحظ وزير الخارجية أن المشكلة في العراق تكمن في التدخلات الإيرانية وإدارة طهران الميليشيات الشيعية المسؤولة عن كثيرٍ من المجازر التي وقعت هناك، مما أدى بدوره إلى تصاعد الصراع الطائفي وأتاح المجال أمام تنامي تنظيم «داعش» الإرهابي والتحاق كثيرٍ من أهل السنة به بسبب المجازر التي ارتُكِبَت في الفلوجة وغيرها، و«إذا لم يتم السيطرة على هذا الانشقاق الطائفي الذي تتزعمه إيران؛ فلن يتم حل المعضلة العراقية».