كانت مقالة الأسبوع الماضي غيضاً من فيض، فالحديث عن الثقافة ذو شجون، لم ينتهِ، ولن ينتهي في مقالة واحدة، وستستمر عجلة الصراع الثقافي تدور ما دام هناك أطراف طموحة، وأخرى مثبطة، وسيبقى المثقف الحر يتراوح بين هؤلاء وهؤلاء، والناس ليسوا سواسية، فقوة نشاطاتهم وضعفها تختلف من شخص لآخر، فالهمم التي تبدو عالية عند أشخاص تأتي متواضعة عند آخرين، وهناك نخبة من البشر يحملون همّا ثقافيا يخلصون فيه لقضاياهم التي يؤمنون بها، ويدفعون عمرهم لتحقيق طموحاتهم، ويبقى التاريخ شاهدا، ومسجلا لمواقفهم وأحداثهم ومدونا لمذكراتهم وأفكارهم، وهم أيضا شهود العصر الذي يعيشون فيه، فلم يعد الشعر وحده ديوان العرب الذي يدون الأحداث والوقائع، والحروب والغزوات، ويحمل بين طياته الأفراح والأتراح، وما تسمو به الأرواح من أدب ودعابة وفكاهة، فهناك طرائق عديدة كفلتها التقنيات الحديثة لحفظ أحداث العصر وتوثيقها، وكل تاريخنا الحالي موثق عبر الوسائل التقنيّة للتواصل الاجتماعي، مثل تويتر وفيسبوك والإنستغرام والواتساب والتليجرام وغيرها. فمن منكم لا يعرف الصحفي المتميز والإعلامي الناجح علي فقندش؟ لن أقول عنه صديق كبار الأدباء والمثقفين والفنانين، ولن أعرّفكم بصفته الاعتبارية رئيس القسم الفني في صحيفة عكاظ، لأنه علم في رأسه نار، ومتاح للجميع، غير متصنع ولا متكلف، مخلص في أداء رسالته، وبالتأكيد هناك جمهوره العريض المتابع لصفحته الفنية، ولنشاطاته المختلفة في الصحافة والإعلام والوسائل الأخرى للتواصل الاجتماعي وما يقدمه في قنواتها من ثقافة تاريخية موثقة بالصور الحية، ومقاطع الفيديو، والملصقات والرسائل القصيرة. لكن المدهش حقا عندما تزور منزله العامر، سأجزم بأنه لن تكفي زيارة واحدة، ولن تستطيع أن تغادر قبل أن تستنفد كل ما لديك من طاقة للإحاطة بكل الجمال الذي يأخذك من تلابيبك، وستقف معه في أركانه وزوايا الوجوه الأدبية والفنية الذين يأنسون إليه في جلساتهم ومناسباتهم المختلفة، وستستمتع بعالمٍ متفردٍ من تاريخ الثقافة والفنون والمعارف العميقة التي تمتد لما يقترب من نصف قرن، حيث قضى أكثر من أربعين عاما في الصحافة الفنية والرياضية والأدبية محللاً ومحرراً وكاتباً، ومازال يمارس عمله هاوياً حتى الآن، وهو مستمتع بأنه محترف في ثياب الهواة. علي فقندش يصافحك قلبه قبل يديه، وتصافح عيناك وثائقه ونشراته ومقالاته وكتبه، وهو مبتسم كعادته منذ ابتسامته الأولى التي تشرق عند استقبال ضيوفه، في مكتبته الفخمة ثروة وطنية تحظى بالتنوع الثقافي بين مقروء ومسموع ومرئي، جمعها على امتداد تاريخه الإعلامي، موزعة في كل أنحاء المنزل بتصنيفاتها التاريخية والعلمية والفكرية، والأدبية والفنية والثقافية، تمثل جمهوريته الصغرى مرتبة بحسب ترتيب الفنان، وأنتم تعرفون حالة الفنان الحقيقي عندما يرتب أشياءه الصغرى، يبعثر أشياء أخرى، بل يستمتع بالعبث والفوضى التي يتحسس جمالها كلما تلفّتَ يمنةَ ويسرةَ، وفي كل ركن قَصِيّ يترك جزءاً من مباهجه للمتع الباقية.