في رحلتنا الأرضية هذه نعيش في عالمنا المادي المحسوس بأجسادنا المادية المجسمة، التي نستلمها فور وصولنا لهذه المحطة، فنتعلم نسبياً كيف نعتني ونتعامل مع هذه الأجساد من أمهاتنا وآبائنا أو بالفطرة أو نلبي احتياجاتها الملحة التي تصرخ تلك الأجساد مطالبةً بها. لكننا في كثير من الأحيان ننسى تماماً أن هذا الجسد المادي ليس هو مكوننا الوحيد، فلدينا جسد أثيري أيضاً وأعني بذلك أرواحنا أي المكون النوراني منا الذي هو القائد الحقيقي أو المالك لهذا الجسد. بالطبع كما ننسى وجود هذا المكون ننسى أيضاً احتياجاته ونهمل العناية به، الأمر الذي له آثار كارثية علينا قد تؤدي إلى تعثر أو فشل هذه الرحلة. لوهلة قد يبدو لنا التعامل مع هذا الجسد الأثيري غامضاً غير واضح الملامح، لكن الحقيقة أن الأجساد على اختلاف مسمياتها لها الاحتياجات ذاتها بما يتناسب مع العالم الذي تنتمي له. فالروح كما الجسد تماماً تحتاج إلى الغذاء والراحة والأهم أنها تحتاج إلى التخلي والنظافة. تخيل أن تمضي في عمرك دون أن تتخلص من كل الفضلات والأوساخ العالقة بروحك، بل تخيل أنك تمشي وروحك تحمل أعواما من النتانة وبمثانة روحية ممتلئة جداً وآيلة إلى الانفجار، لكن لغفلتك لا تدرك ذلك طبعاً، ترى في أي حال ستكون حينها؟ في أحيان كثيرة نصاب بأوجاع وأمراض ليس لها أي مسبب مادي وفي أحيان أخرى نصاب بأمراض نفسية أو نقع فريسة الاكتئاب أو التوتر والغضب أو التعاسة الدائمة. في كل تلك الحالات، فإن ما نحس به ما هو إلا نداء استغاثة لروحنا المهملة المتعفنة. إن تلك الرائحة النفاثة كفيلة بأن تزكم أنوفنا فنعجز تماماً عن الاستمتاع بكل النعم التي تحيط بنا، ناهيك عن أن ندرك أننا محاطون برائحة عطرية زكية. تخيل مثلاً أنك مدعو للإقامة في منتجع رائع جداً يملك مناظر طبيعية خلابة ويقدم ما لذ وطاب من الطعام والشراب لكنك وطوال مدة إقامتك ممنوع من استخدام بيت الراحة. تخيل وضعك في اليوم الأول ثم تخيل وضعك في اليوم الثاني ثم تخيل وضعك في اليوم الثالث، هل من الممكن أن تستمع بأي شيء حولك حينها؟ إن كل ما ذكرته لكم هو دعوة طارئة ملحة للتخلي، لا تحملوا معكم كل خيبات الماضي وكل عثراته وكل أحزانه. لا تتذكروا كل إساءة وكل ظلم وكل مصيبة. دعوا آلام الماضي وأحقاده وحسراته في الماضي، سامحوا واغفروا واقلبوا الصفحة. فإن لم تتحقق لكم عدالة محاكم الأرض فدعوا الأمر لمحاكم السماء. صدقوني إن نجحتم في التخفف من كل تلك الأثقال الروحية المترسبة فستفاجأون بكمية النعم التي كانت تحيط بكم طوال الوقت، لكنكم بسبب تلك القاذورات المزعجة عجزتم عن إدراكها. حينها ستحلق أرواحكم بخفة وستتخلص أجسادكم من أوجاعها، ستفهمون بكل وضوح لم يدعى ببيت الراحة.