عندما كنا صغاراً نحضر الدروس الدينية في حلقة الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه-، كان مسند الإمام أحمد بترتيب عبد الرحمن الساعاتي أحد تلك الكتب التي تُقرأ. وكان من المعروف أن عبد الرحمن الساعاتي هذا هو والد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين 1928. لماذا اختار حسن البنا هذا الاسم بدلاً من اسم الساعاتي؟ أجاب عن هذا، العلامة المحقق عباس محمود العقاد في مقال له نُشر في 2 يناير 1949 تحت عنوان (الفتنة الإسرائيلية) فماذا قال؟ كَتب العقاد «الفتنة التي ابتليت بها مصر على يد العصابة التي كانت تسمى نفسها بالإخوان المسلمين هي أقرب الفتن في نظامها إلى دعوات الإسرائيليين والمجوس» واتهم العقاد حسن البنا بأن جذوره تنحدر من أسرة مغربية ذات أصول يهودية، وأن البنا وأباه وجده كانوا يعملون في تصليح الساعات: مهنة اليهود. ولم يكن لفظ «البنا» ضمن اسمه وإنما أضيف إليه وهي ترجمة لمصطلح (ماسوني). وختم العقاد التدليل على قضيته بأن «البحيرة» مسقط رأس حسن البنا، كانت أكبر تجمع ليهود مصر الذين جاء أغلبهم من المغرب. ليس للباحث الجاد أن ينجرف وراء كلام العقاد دون اطلاع على الحمض النووي لحسن البنا، إلا أن دعواه تعتبر هجوماً كبيراً آخر من رمز كبيرٍ آخر لم نعرف عنه إلا التحقيقات العلمية الدقيقة، نضيف مقولته لمقولة الشيخ محمد الغزالي الذي اتهم المرشد العام للإخوان المسلمين الثاني حسن الهضيبي بأنه هو الآخر ماسوني، وقد تحدثنا عن ذلك بالتفصيل في مقالة ماضية، وهذه الهجمات من هؤلاء الرجال الأعلام ضد الجماعة وطريقة تأسيسها، تبعث كثيراً من الشكوك وكتلاً من الضباب. ومع هذا، فلا بد للباحث المنصف أن يعترف بغموض هذه القضية وكثرة ما يكتنفها من أسرار يصعب تحليلها وسبر أغوارها. ما معنى انتساب الهضيبي والبنا وقبلهما محمد عبده وجمال الدين الأفغاني إلى الماسونية؟ ما هي الماسونية باختصار؟ لنفكر بطريقة عقلانية تحليلية ولنترك أسلوب الأساطير فهو لا يزيد الرؤية إلا غبشاً وظلمة. أعتقد أنه سوف يرضينا بقدر كافٍ في هذه المرحلة من حديثنا الذي يبدو أنه سيطول عن جماعة الإخوان المسلمين، بأن الماسونية كانت أشبه ما تكون بالقرد الذي يحمله القرصان(المستعمر) على كتفه ليلعب هنا ويعبث هناك بما فيه مصلحة القرصان. هكذا كانت المحافل الماسونية في مصر، مراكز ثقافية وسياسية وفنية تجذب إليها كل طَموح يسعى لتحقيق هدف كبير، وهي الملتقى الذي يجمع الساخطين والمعارضين في مكان واحد. من المراجع المهمة لقصة حسن البنا، يقف كتاب مارك كورتيس الذي نشر في 2010 وهو بعنوان (العلاقات السريّة: التواطؤ البريطاني مع الإسلام الراديكالي) (وهذا الكتاب مع الأسف لم يُترجم بعد) يذكر فيه أن أول تعاون معلن وصريح بين الإخوان المسلمين والتاج البريطاني كان في 1941 وأن بريطانيا بدأت فعلا في تمويل الجماعة في 1942 لتقويتها أمام قصر فاروق، أما غير المعلن فهناك حديث طويل الذيل، خلاصته أن بريطانيا هي التي أسست الجماعة في 1928 وهي التي بنت مركز الإخوان في الإسماعيلية لتكون بذلك غُصة في حلق الدولة المصرية. لقد كان حسن البنا (رغم تديّنه الذي لا نشك فيه) سيفاً مشهوراً على قصر فاروق، استخدمه الإنجليز لممارسة مزيد من الضغط على القصر. وفي فترات متكررة رأى القصر أن البنا وجماعته مفيدون وينبغي التعاون معهم ضد حزب(الوفد) الحزب الأكثر شعبية في تلك الفترة، والبنا حسن لم يكن مشغولاً بقضية أكثر من انشغاله بأن يكون هو الخليفة بعد سقوط الخلافة، لقد أراد أن يكون من يملك القصر ويحكم مصر، ثم انتهى به الحال مقتولاً، كحال كل من يحمل السيف فيموت به.