عرفت في تجربتي الصحفية ألوانا من القضايا، عصرت فيها لب فكري وأطعمتها جل همومي، لكنها دوما تنتهي – عندي على الأقل – ليطير كل بما كسب وأبقى أنا أسير صدقي مع قضيتهم التي صارت قضيتي. أطراف القضايا يعطون من قلوبهم تجاه قضاياهم لكنهم ينسون رفقاءهم غالبا في منتصف الطريق مع تساقط بعض قيمهم ومبادئهم في وعثاء السفر لذا ركز على القيمة العليا يا ولدي وانس الرفاق قبل أن ينسوك في منعرجات الطرق. دجاجلة كل عصر هم أولئك الذين لا يعرفونك إلا بقدر ما يعرفون ما يريدونه منك ويعجبهم صدقك بقدر ما ينشغلون بغشك، لا تنشغل يا ابن أخي فالعالم ليس إلا امتحانا قصيرا كالذي مررت به منذ حين على مقاعد الدرس. للقضايا دائما شعارات براقة، وللمواضيع دوما وجهان على الأقل، وحتى أولئك الذين لا يملكون قضايا ينافحون عنها ولا شعارات يرددونها ليسوا بأفضل حال من تجار القضايا، لكن كثيرا منهم مع الأسف هم سماسرة كل القضايا وببغاوات كل الشعارات حين تصبح واقعا جديدا وحين تصبح الحصان الكاسب في سباق القيم الاجتماعية التي تتغير في التاريخ والجغرافيا. في بلاد ما يعرف بمحور الممانعة كان المهندس والفنان المسرحي همام حوت ينافح عن بلاد المقاومة وسوريا الأسد مهاجما بقية بلدان العرب حتى تأكد لديه أن شعارات الوحدة والعزة العربية تسقط مع أول اختبار يهز عرش المنتفعين بها ليصبح عنده مثل كثير من المثقفين من بني جلدته شعور بالصدمة من مقاومة تستأسد على مواطنيها ومن ثورةٍ تأكل أبناءها. القضايا سواء كانت صغيرة كتلك التي عرفناها في تجاربنا الصحفية المحلية أو كبيرة كتلك التي شهدها العالم العربي منذ بداية موجة الانقلابات في خمسينيات القرن الماضي لها دوما صادقون مخلصون في سبيل التطوير والتحسين لكن من يفوز بها في الغالب هم أولئك المتربصون الذين يعرفون متى يقدمون ومتى يتأخرون وأهدافهم ليست بالضرورة شعاراتهم فانتبه يا ابن الجيل القادم من أن تهدم حاضرك بوعود بناء مستقبلك.