ورد في سياق بيان الاعتذار الذي قدمته المملكة عن عدم قبولها عضوية مجلس الأمن للدول الأعضاء غير الدائمين الفقرة التالية: «إذا كانت الدول الأعضاء في منظمة الأممالمتحدة تعتبر الظفر بعضوية مجلس الأمن، المعني حسب ميثاق المنظمة بحفظ الأمن والسلم العالميين، شرفاً رفيعاً ومسؤوليةً كبيرةً، لكي تشارك على نحو مباشر وفاعل في خدمة القضايا الدولية، فإن المملكة العربية السعودية ترى أن أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين على النحو المطلوب، الأمر الذي أدى إلى استمرار اضطراب الأمن والسلم، واتساع رقعة مظالم الشعوب، واغتصاب الحقوق، وانتشار النزاعات والحروب في أنحاء العالم». هذه الفقرة شخَّصت في رأيي الداء الحقيقي الذي ظلت تعاني منه منظمة الأممالمتحدة منذ تأسيسها، حيث ولدت ميتة منذ البدء بسبب ازدواجية معاييرها وهيمنة أعضائها الدائمين على قراراتها المصيرية تماشياً مع مصالحهم وأهدافهم المعلنة دون أدنى رادع إنساني أو حتى أخلاقي لإنصاف الشعوب المنكوبة بعيداً عن اعتبارات الربح والخسارة في دهاليز اللعبة السياسية القذرة. عدم قبول المملكة الانضمام إلى عضوية مجلس الأمن كان رسالة واضحة لقادة الدول العظمى، بأن صبر الشعوب المتضررة لم يعد بالإمكان إطالة أمده لفترة أطول، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تثق الشعوب بهذه المنظمة التي تأسست على مبادئ دول التحالف المنتصرة في الحرب العالمية الثانية؛ لأن المنتصر لا يفكر إلا بفرض إرادته التي سحق من أجلها شعوباً ودولاً كل ذنبها أنها ابتليت بأنظمة دكتاتورية فاسدة كي يحافظ على مكاسبه وغنائمه حتى لو أتت على حساب القيم الإنسانية المشتركة. ومع بالغ الأسف أن المنظمة استطاعت بمرور الوقت أن تؤصِّل مبدأ الانحياز للقوي وإدانة الضعيف في أدبيات العصر الحديث، بحيث أصبح من المنطق أن الحق دائماً مع القوي، وأن الضعيف ليس إلا مجرد دمية في مسرح الأحداث الدولية، تتقاذفها مصالح الدول كيفما تشاء، دون مراعاة لآدميته التي استمرأت القوى العظمى انتهاكها، وهي من أبسط حقوقه المنصوص عليها في ميثاق الأممالمتحدة الخاص بحقوق الإنسان الذي يعتبر النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية جزءاً أصيلاً متمماً له. أعترف هنا أن الحديث عن العدل، في ظل اختلال الموازين الدولية، ضرب من الحماقة والجنون، فالعدل في مفهومه السامي لن يتحقق إلا في خيال السذج والمغفلين، لذا فمن الواقعية أن يطالب المرء بما قد يحفظ الحد الأدنى من حقوقه في عالم مملوء بالصراعات والحروب الطاحنة، وهو الحفاظ على حياته وسلامته من القتل العشوائي الذي يتهدده حتى وهو في منزله، ولنا في قصص الضحايا في فلسطين وسوريا والعراق وأفغانستان.. خير شاهد على استهداف أرواح الأبرياء جراء القصف والتدمير والتهجير الممنهج الذي يمارسه الأقوياء من أجل سحق إرادة الضعفاء في أوطانهم. نحن مجبرون على أن نتعلق بقشة منظمة الأممالمتحدة على أمل النجاة من الغرق في بحار القوى العظمى المتلاطمة، طالما أننا لانزال على قيد الحياة، فالأمل أمضى سلاح نواجه به الخيبات والهزائم المتتالية، ومهمها تساقطت أقنعة الوجه القبيح للمنظمة، يظل الأمل عزاؤنا الوحيد في عالم يعج بالكاذبين والمخادعين. وإليك عزيزي القارئ هذا الخبر الذي سيدهشك ويصيبك في حيرة قاتلة قد تُفقدك آخر ما تبقى من شذرات الأمل في إصلاح حال المنظمة سيئة الذكر، وهو أن سفير الكيان الصهيوني الإسرائيلي أصبح رئيساً للجنة القانونية في الجمعية العامة للأمم المتحدة للمرة الأولى منذ احتلال هذا الكيان المسخ الأراضي الفلسطينية! التصويت على المرشحين لهذا المنصب تم بشكل سري في مقر المنظمة بمدينة نيويوركالأمريكية بهدف عدم إحراج الدول ذات الضمائر الميتة، وإن كنا نعرف مسبقاً أن أمريكا في مقدمة قائمة العار التي صوَّتت لصالح الصهاينة كي يترأسوا لجنة من أهم ست لجان مركزية في منظمة الأممالمتحدة، حيث تختص بتناول قضايا مهمة وحساسة جداً في مجال القانون الدولي والإرهاب. المضحك أن أول تصريح للسفير الصهيوني بعد الحصول على رئاسة اللجنة، قوله إنه سيسعى جاهداً في إطار أعمال اللجنة إلى وضع اتفاقية دولية لمحاربة الإرهاب! كيف يجرؤ على قول ذلك، وهو ابن الكيان المتمرس والمتخصص في صناعة الإرهاب والتدمير منذ أن وطِئت أقدامهم تراب فلسطين؟ وإلى الآن وهم يمارسون أقذر أنواع التعذيب الجسدي والمعنوي لسحق الإرادة الفلسطينية منذ أكثر من ستين عاماً!. مع الأسف، تتغاضى الحكومات الغربية عن سياسة الاستيطان اليهودية بصورة مخجلة رغبة في الخلاص من القلة الباقية من اليهود على أراضيها، فهي تغض طرفها عن الانتهاكات الوحشية التي يرتكبها الجنود الصهاينة من أجل تشجيع أولئك اليهود وحثهم على الهجرة من بلادها إلى تلك المستوطنات بعد تهجير أهلها قسرياً، وتدمير منازلهم فوق رؤوسهم. وفي ختام مقالي أود أن أطرح سؤالين مهمين على القارئ الكريم وهما: ماذا لو ترأست دول أخرى مارقة وخارجة عن القانون ولا تقيم أي وزن لمبادئ حقوق الإنسان بقية اللجان المهمة في منظمة الأممالمتحدة؟ هل سيزداد العالم ظلماً وجوراً أكثر مما هو حاصل الآن؟ أترك الإجابة لكم.