«مكافحة المخدرات» تقبض على شخصين لترويجهما مواد مخدرة في الرياض    بحضور اكثر من 11 الف مشجع الأهلي يتغلب على ضمك بثنائية في دوري روشن للمحترفين    بعد فوزه برالي داكار.. «تويودا»: يزيد الراجحي.. أنت بطلي    "اكسبوجر 2025" يعرض قصص ملهمة على شاشته السينمائية    مكاسب الذهب للأسبوع الثامن.. الأوقية عند 2,927 دولاراً    سلوت يعترف بصعوبة مهمة ليفربول أمام باريس سان جيرمان بدوري أبطال أوروبا    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة العنود بنت محمد بن عبدالعزيز    جوارديولا يرفض المقارنة بين صلاح ومرموش    المملكة تحتفل غداً بذكرى يوم التأسيس    هيئة الصحفيين السعوديين تحتفي بهويتها الجديدة في أمسية إعلامية مميزة    وكيل إمارة الشرقية: يوم التأسيس مناسبة وطنية نستذكر فيها مراحل بناء وتطور وطننا الغالي    ضبط وافدَين من الجنسية اليمنية لمخالفتهما نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص بالرياض    السعودية للكهرباء و"أكوا باور" توقعان اتفاقية شراء الطاقة لمشروع توسعة محطة القريّة للإنتاج المستقل ب13.4 مليار ريال    بدعم قوة الطلب.. النفط صوب 77 دولاراً    بريطانيا: «التجزئة» لأعلى معدلاتها    السويد تحقق في تخريب محتمل لكابل اتصالات في بحر البلطيق    الأمير فيصل بن سلطان: يوم التأسيس ذكرى وطنية راسخة تعزز مكانة المملكة ودورها الريادي في العمل الخيري والسلم العالمي    خطيب المسجد الحرام: العافية أجمل لباس، وهي لذة الحياة والناس وبغية الأحياء والأموات    خطيب المسجد النبوي: رمضان مدرسة الإرادة وساحة التهذيب وهذه الإرادة تمتد لتشمل الحياة كلها    رئيس «القيادة اليمني» يُهنئ خادم الحرمين وولي العهد بذكرى يوم التأسيس    الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري SRC تعلن إتمام تسعير أول صكوك دولية بقيمة 2 مليار دولار أمريكي    وزارة الشؤون الإسلامية تنظم ندوة علميّة تزامناً مع ذكرى يوم التأسيس    حماس: أشلاء الأسيرة الإسرائيلية اختلطت بين الأنقاض    في محاضرة عن المبادئ الراسخة لتأسيس الدولة السعودية بأدبي جازان    الشؤون الإسلامية في جازان تنهي تجهيزات الجوامع والمساجد استعدادًا لاستقبال شهر رمضان المبارك    خادم الحرمين يتلقى تهنئة القيادة القطرية بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    قادة الخليج والأردن ومصر يتوافدون لعاصمة القرار العربي    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    وزير الدولة للشؤون الخارجية يشارك في حفل افتتاح مؤتمر رؤساء حكومات مجموعة الكاريبية (كاريكوم)    زيارة "فريق الوعي الصحي التطوعي" التابع لجمعية واعي جازان لمؤسسة دار رعاية الفتيات    رياح نشطة وأتربة على عدة مناطق وأمطار خفيفة شمال المملكة    قرارات ترمب المتطرفة تفاقم العزلة الدولية وتشعل التهديدات الداخلية    «الغالي ثمنه فيه»    هل رجحت كفة «المُترجَم» بالعربي؟    "السهلي"تهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة يوم التأسيس    كبار علماء الأمة يثمنون رعاية خادم الحرمين لمؤتمر بناء الجسور بين المذاهب    احتمالية الإصابة بالسرطان قد تتحدد قبل الولادة    مُرهق عاطفياً؟ هذه الطرق تساعدك على وقف استنزاف مشاعرك    5 عادات تبدو غير ضارة.. لكنها تدمر صحتك    ثلاثة قرون .. السعودية شامخة    عم إبراهيم علوي في ذمة الله    علاقة وثيقة بين المواطنين والقادة    فريقا جامعتي الملك سعود والإمام عبدالرحمن يتأهلان لنهائي دوري الجامعات    شخصيات اجتماعية ل«الرياض»: يوم التأسيس ذكرى تجسد الوحدة وتُلهم الأجيال لصنع المستقبل    الديوان الملكي: وفاة الأميرة العنود بنت محمد بن عبدالعزيز آل سعود    القوات البرية والجيش الأميركي يختتمان مناورات «الصداقة 2025» بالمنطقة الشمالية    وطن الأمجاد    الهرمونات البديلة علاج توقف تبويض للإناث    الصداع العنقودي أشد إيلاما    درس في العقلانية الواقعية    «شعبنتوا» ولا لسه ؟    حضر بلا داعي وقعد بدون فراش    تعليم جازان يحتفي بيوم التأسيس تحت شعار يوم بدينا    القبض على إثيوبي في جازان لتهريبه (17) كجم "حشيش"    أكثر من 4 آلاف مبادرة لكفاءة الإنفاق في الجهات الحكومية    قطر تؤكد أن استقرار المنطقة والعالم مرتبط بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية    هيئة تقويم التعليم والتدريب تعتمد 62 برنامجًا أكاديميًا    الطائف تودع الزمزمي أقدم تاجر لأدوات الخياطة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ملحمة التأسيس».. تاريخ ممتد لثلاثة قرون


الأمن العنصر الحاسم في تكوين الدولة واستقرارها
«المنقية».. ثلاث مئة رجل مدججين بالسلاح ولديهم الخبرة الكافية والكفاءة القتالية
يُعد يوم التأسيس مناسبة وطنية لاستحضار تاريخ المملكة العربية السعودية، فهو يعبر عن تاريخ مجيد وذلك لامتداده لثلاثة قرون، كما إنها ذكرى وطنية وفخر لأبناء الوطن السعودي وكما قال الشاعر: "ومن لم تكن أوطانه مفخرًا له.. فليس له في موطن المجد مفخر.."
في هذه المناسبة يستحضر من خلالها الأحفاد تضحيات الأبناء والأجداد، ويستلهمون الدروس والعبر، فبهذا اليوم تتدفق مشاعرهم الوطنية بالحب والانتماء والاعتزاز بالوطن وقادته وموروثهم العريق والفريد والممتد الذي يحفز لمزيد من البناء والتقدم والازدهار والتطور وملهم للأجيال نحو التقدم والعلو في جميع المجالات التي من شأنها رفعة هذا الوطن العظيم.
في العام 1727م -1139ه تأسست الدولة السعودية الأولى بقيادة الأمام البطل محمد بن سعود -رحمه الله- ولاستشعار عظمة هذا اليوم التاريخي أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في يوم 24 يناير من عام 2022م/1443ه أمرا ملكيا بأن يكون يوم 22 فبراير من كل عام يومًا لذكرى تأسيس الدولة السعودية.
عمق تاريخي مجيد
إنّ احتفالنا كسعوديين بيوم التأسيس هو احتفاء شعب عظيم له عمق تاريخي مجيد يعبر عن مدى تلاحمنا واتحادنا وصمودنا أمام التحديات والأزمات، وكشعب سعودي يفخر بماضيه وحاضره ويتطلع إلى مستقبل مشرق مع رؤية 2030 الذي يقودها عراب الرؤية وقائد التغيير صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وبتوجيهات من سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك الحزم والعزم -حفظه الله-.
صراع بين القوى المحلية والقبلية
كانت حالة البلاد قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى تعاني من الانقسام والتفكك والفوضى واستمر هذا التشرذم قرونا عديدة بعد الخلافة الراشدة، وكانت نجد قبل قيام الدولة المركزية السعودية في حالة حروب ونزاعات ومجاعة وجهل وفقر، ويعيش الإقليم صراع بين القوى المحلية والقبلية، ولم تعرف حكما مطلقًا حيث كانت معزولة عن الحياة السياسية بسبب صعوبة التنقل والسفر.
كانت نجد تعيش في رعب دائم وخوف منقطع النظير ولم يعرفوا الحرية والأمن والاستقرار في ذلك الزمن البائس، وكان انعدام الأمن هو السائد والقتل والسلب والنهب، وذلك في غياب سلطة دولة مركزية تقوم بأعباء الدفاع عن نفسها وتثبت الأمن بحزم وقوة، وغياب الأمن دومًا وعبر التاريخ وكما هو معروف هو العامل الرئيس في تدمير المجتمعات وانهيارها وانحطاطها، ولكن إرادة الله وحكمته قيضت لهذه الأرض وهذه البلاد من يجمع شتاتها ويوحد كلمتها تحت راية واحدة ويبسط الأمن بقوة وعدل وحزم.
حينما توحدت وتأسست هذه البلاد العظيمة على يد الإمام البطل العظيم محمد بن سعود -رحمه الله-، كان الأمن هو العنصر الحاسم في تكوين الدول واستقرارها واستمرارها وازدهارها.
المجال العسكري
نجد الفكر العسكري لدى الإمام محمد بن سعود يشمل العقيدة العسكرية وهو المذهب العسكري الذي تتخذه الدولة لبناء جيشها وتأسيس كل مجالاتها العسكرية، وهي مجموعة المبادئ والقيم التي تحكم أداء الجيش وتخدم المصالح العامة للدولة.
والعقيدة العسكرية هي مجمل المفاهيم والمبادئ والسياسات والتكتيكات والتدريبات والأساليب المتخذة لضمان كفاءة تنظيم وتدريب وتسليح وإعداد وتوظيف المؤسسة العسكرية لوحداتها التكتيكية والخدمية، كما أنها تعمل على الربط بين النظريات والتاريخ والتجارب والخبرات العملية، وهي ترتبط بالعقيدة الشاملة للدولة.
المفاهيم الحربية
والفكر العسكري (العقيدة القتالية)، وهي الإخلاص والولاء للذين آمنوا بذلك لتحقيق الوحدة الوطنية ومحاربة الصعوبات التي تكتنفها نظراً لتطلعهم مع اللائمة لتحقيق الغاية القصوى وهي إيجاد الأمن في هذه الدولة وتحقيقه على أرض الواقع للدولة السعودية الأولى وللإمام محمد بن سعود في ذلك الوقت تعتمد على مبادئ الحرب مثل، تحقيق الوحدة الوطنية في أقوى سماتها ووحدة القيادة والتعاون والتكامل.
وكانت المبادئ والمفاهيم الحربية المتبعة في ذلك الوقت خليط مابين المبادئ الحربية والأساليب التي تم اكتسابها خلال الخبرات والمعارك والحروب التي حدثت في ذلك الزمن.
الاستراتيجية السياسية العسكرية
وكانت استراتيجية الإمام محمد بن سعود واضحة المعالم في تأسيس دولة مركزية تبسط الأمن والنظام وتوحيد البلاد والعباد تحت قيادة حازمة وعادلة، وتنهي حالة التشرذم والانقسام والفوضى السائدة لفترة طويلة من الزمن.
فقد كان الإمام محمد بن سعود يشرف ويهتم بالشؤون العسكرية للدولة، نظرًا لأهميتها في تحقيق الأمن والوحدة، فحرص على إعداد جيش قوي عن طريق تدريب الجيش وتسليحه، كما كان يتولى قيادة بعض المعارك بنفسه، لما لذلك من دعم كبير لمعنويات الجيش وفي حال غيابه يخلفه ابنه عبدالعزيز بقيادة الحملات العسكرية.
وكان الإمام محمد بن سعود إضافة إلى مهاراته السياسية يتحلى بمهارات قيادية عسكرية حربية تتوافق مع أهدافه السياسية، وتظهر حسن سياسته واستراتيجيته الناجحة ودهائه بمنع اتحاد اعدائه ضده في توقيت حرج، فقد كان يفاوض أحد خصومه مقابل منع تحالفه مع الخصم الآخر، وحتى يتخلص من معركة غير متكافئة بالقوى والوقت والظروف، وهذا يدل على الاستراتيجية السياسية العسكرية الناجحة لدى الإمام محمد بن سعود ودليل على بعد نظره وتفوقه في إدارة الحروب والصراعات والسعي بنجاح إلى تحقيق أهدافه السامية.
وعندما لاتسمح له الظروف بقيادة الجيش، يختار لقيادة الحملات والمعارك الحربية التي يقوم بها خيرة القادة من تتوفر فيهم الكفاءة الحربية والقيادية والشجاعة والولاء والإخلاص، وكما هو معروف القادة الأكفاء المخلصين هم العامل الحاسم في تحقيق النصر عبر التاريخ الطويل للحروب.
وكان من أهم القادة الذين اعتمد عليهم ابنه الإمام عبدالعزيز والذي كان قائدًا مميزًا وعظيمًا، وحقق الكثير من الانتصارات في وقت والده، وبعد ذلك عندما أصبح إمامًا بعد وفاة الإمام محمد بن سعود -رحمه الله-.
الأساليب العسكرية الحربية
ومن الأساليب العسكرية الحربية التي يتبعها الإمام بن سعود الحرص على تحقيق المفاجأة وهو مبدأ حربي مهم وحاسم لتحقيق النصر. ومن أساليب القتال لديه التحركات السريعة والخاطفة لمفاجأة أعدائه في وقت ومكان غير متوقع لا يكون فيها الأعداء مستعدين، وهذا من التكتيكات الحربية الناجحة والتي تطبق حتى الآن.
هذه الأساليب تستخدم في أثناء العمليات الهجومية عندما يهاجم الأعداء في عقر دارهم.
أما في العمليات الدفاعية فكان الإمام محمد بن سعود يستخدم الأساليب الدفاعية التي تمنع العدو من تحقيق المفاجأة، وذلك بإرسال عناصر من الاستطلاع (السبور) أمام مواقعه حتى يعرف نوايا وقوة العدو وطرق تحركاته، ويتبع بالدفاع تحصين البلاد وتأمينها من الهجوم الخارجي بإنشاء القلاع والحصون والقصور المحصنة.
والحصون هي استحكامات حربية تبنى في مواقع استراتيجية على سفوح الجبال وفوق التلال وفي مواقع مشرفة وعالية للتحكم بالأراضي المحيطة، وتميزت القصور في نجد في تلك الحقبة بالإضافة إلى أنها مقر للسكن بأنها قلاع حربية. وكانت محمية بالأبراج ومزودة بوسائل الدفاع من أماكن للرمي وسقاطات وغيرها، وقد بني في الدرعية عدد كبير من القلاع والقصور المنيعة ومن أهمها قصور حي الطريف وقصر سلوى وقصر غصيبة.
ومن أهم الطرق والأساليب التي كان يتبعها الإمام محمد بن سعود عندما يتخذ قرارًا حربيًا هو حصوله على المعلومات الوافية عن العدو والطرق المؤدية له بواسطة العيون التي تزوده أمام الجيش في أثناء الدفاع والهجوم، ويسمى بالمفهوم الحالي الاستطلاع حتى نمنع العدو من مفاجأتنا.
وكذلك جمع المعلومات بواسطة عناصر متخفية ما يسمى بالعيون، هذا بالمفهوم المعاصر هو الاستخبارات التي يعتمد عليها بصنع القرار الحربي لكي يصبح القرار ناجحًا ومؤديًا إلى النصر.
حروب ومواجهات
خاضت الدولة السعودية الأولى في عهد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- والذي دام أربعين عامًا الكثير من المعارك والحملات الحربية، وكانت حياة الإمام محمد بن سعود حافلة بالتضحيات والجهود الكبيرة لتحقيق أهدافه بتأسيس الدولة والكيان السعودي وتحقيق الأمن والوحدة، فقد خاض في سبيل هذه الأهداف حروبا ومواجهات حتى تكللت جهوده الجبارة بالنصر وذلك بتوحيد أراض شاسعة من شبه الجزيرة العربية.
وقد تعرض في بداية تأسيسه لدولته الفتية للكثير من الصعوبات والمتاعب والمعارضة من قبل بعض الخصوم الذين لم يؤيدوا كيان الدولة المتحد القوي، ومن هؤلاء دهام بن دواس في الرياض والذي خاضت الدولة السعودية الأولى بقيادة الإمام محمد بن سعود الكثير من المعارك والوقعات معه ولفترة ليست قصيرة، ومن أشهر هذه المعارك والوقعات: وقعة الشياب ووقعة الوشام ووقعة العبيد في سنة 1746م /1159ه، وكذلك وقعة البنية ووقعة مقرن ووقعة صياح والخريزة في سنة 1747م / 1160 ه، ووقعة الحبونية في سنة 1749م/ 1162ه، ووقعة البطحاء في سنة 1750 م / 1163 ه، وأيضًا وقعة أم العصافير في سنة 1757م /1170ه، واستمرت هذه المعارك طويلاً ضد دهام بن دواس (استمر الصراع 27 عامًا) حتى انتهت بهزيمته وهروبه بعد وقعة هدم المرقب في سنة 1773م/1187ه.
وهنا تتجلى سمات هذا القائد العظيم الإمام محمد بن سعود والتي تميزت بقوة الشخصية، والطموح والقيادة والجرأة والمخاطرة المحسوبة والكفاءة الحربية والسياسية، والتي يتصف بها عظماء القادة العسكريين السياسيين الذين صنعوا التاريخ وتحققت على أيديهم الأحلام العظيمة الكبرى، مثل تأسيس وتكوين الدول وتوحيدها، على الرغم ما يواجهونه من صعوبات وتحديات جمة.
فقد كان الإمام محمد بن سعود من فرسان الدرعية وقادتها الشجعان حيث شارك في الدفاع عنها وعن حملاتها العسكرية، وقد خرج مع زيد بن مرخان نحو العيينة في حملة عسكرية كانت الغلبة فيها لجيش الدرعية، ليتسنى له بعد ذلك العودة للدرعية ليتولى الحكم ويؤسس الدولة السعودية الأولى.
فقد تمكن بفكره الثاقب واستراتيجيته الصائبة أن يؤثر ويقنع أطياف المجتمع المختلفة بفكرة الوحدة مما دفعهم للمشاركة والتكاتف في سبيل تحقيقها، فكان الإمام محمد بن سعود يرسل من الدرعية الدعوة للبلدان والقبائل التابعة له للمشاركة في عمليات التوحيد، فيقومون بدورهم بإرسال مجموعة من الفرسان والجند إلى مكان المعركة في التوقيت المتفق عليه.
الأسلوب الحربي للإمام المؤسس
وأسلوب الإمام محمد بن سعود الحربي في حشد قواته كان يعتمد على اتباعه بصفتهم قواته الحربية، ويتم تجميعهم من مكان إقامتهم بطريقة إلزامية أو تطوعية عندما يريد الإمام القيام بغزو إحدى المناطق أو الإغارة على بعض القبائل وتسمى هذه الطريقة بالنفير.
وتتلخص كيفية إعداد هذا الجيش بأن يصدر الإمام بصفته القائد العام للغزو أوامره إلى الأقاليم بأن يُعد كل منهم عددًا محددًا من الجنود مزودين بالسلاح والعتاد والطعام للخروج معه، كما يرسل رجالاً من الدرعية إلى جميع البوادي حتى يجمعوا رجال القبائل من اتباعه إلى الغزو، وكان الإمام يحدد للجميع ميعادًا محددًا عند مورد مياه معروف يجتمعون عنده للخروج إلى وجهتهم.
كان هذه الأسلوب في التجنيد يؤمن له أعدادًا كبيرة دون أن تتكلف الدولة ميزانية ضخمة لجمعهم وتجهيزهم. وعلى ذلك نجد أن الدولة السعودية الأولى لم يكن لديها جيش نظامي على الرغم من اتساعها، وكانت جيوشها مؤقتة بحيث يعود المقاتلون إلى بلدانهم بعد انتهاء مهمتهم بأستثناء بعض الحاميات العسكرية المرابطة في الحصون لحماية بعض المناطق وحفظ الأمن فيها، إضافة إلى بعض الحرس الخاص والدائم للحاكم في الدرعية على أنه قد وجدت مجموعات مقاتلة يتم تنقيتها واختيارها من قبلة أئمة الدولة السعودية الأولى ويطلق عليهم "المنقية" وهم عبارة عن ثلاث مئة رجل مدججين بسلاحهم ولديهم الخبرة الكافية والكفاءة القتالية لأي مهمة تؤكل إليهم حتى أن الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود قام بوضع أماكن إقامة لهم في الدرعية ويدربون بعض المجموعات القتالية لذلك وقد أسكنهم الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود في الدرعية وتوفير الحاجات اللازمة لهم كما يذكر ذلك "بوركهارت" في كتابه عن الدولة السعودية.
ولم يكن على الدولة أن توفر للمقاتلين السلاح أو الزاد، بل أن كل مقاتل يجهز نفسه بأسلحته ودابته وزاده، ولا يتقاضون رواتب مقابل خدمتهم العسكرية، بل كانوا ينالون أربعة أخماس الغنائم التي يحصلون عليها كما في الشرع الإسلامي.
ولم يكن ثمن تحقيق رؤية ومشروع الإمام محمد بن سعود العظيم سهلاً أو بسيطًا وكان طريقه غير معبد بالورود وكما قال الشاعر أحمد شوقي:
" وما نيل المطالب بالتمني.. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا،
وما استعصى على قوم منال منال.. إذا الأقدام كان لهم ركابا.."
فقد واجه في مرحلة التأسيس الكثير من الصعوبات والتحديات كأي مشروع عظيم، مثل تأسيس وتكوين دولة ذات كيان موحد، نظرًا لأن البعض لديهم مصالحهم الفردية ضد مشروع الوحدة والوطن الكبير فقد كان في معارك دائمة لضبط الأمن، وبذل الكثير من التضحيات ومنهم أبناء الإمام محمد بن سعود (فيصل وسعود) فقد استشهدوا -رحمهم الله- أثناء المعارك ولكن ذلك لم يثن من عزم الإمام على الوصول إلى أهدافه بتحقيق الوحدة والنهوض بالمنطقة.
وقد سار الإمام محمد بن سعود ومن بعده من أئمة الدولة السعودية على تطبيق أحكام الشريعة المطهرة وتنفيذها بعد أن كانت قبل قيام الدولة يكتنفها صعوبات في تطبيق ذلك.
فقد كان من صفات الأئمة الذكاء وأيضاً الرأي السديد ويستعينون بالمستشارين والأعيان وطلاب العلم كلاً في تخصصه.
وقد سار نظام هذه الدولة المباركة على أحكام الشريعة الإسلامية المطهرة التي كان من الصعوبة تطبيقها قبل الحكم السعودي.
التأسيس والنواحي الحضارية
ولم تعتمد مرحلة التأسيس في عهد الإمام محمد بن سعود على الحملات العسكرية فقط، بل كان العمل على النواحي الحضارية مواكبًا لما لها من أهمية في بناء الدولة، وقد سن الأنظمة والقوانين التي تنظم الشؤون العامة والخاصة، استنادًا على الشريعة الإسلامية والأخلاق العربية النبيلة.
ونظرًا للتغير الكبير الذي حدث في الأوضاع الأمنية في عهد الإمام محمد بن سعود، فقد طبق النظام بصرامة وعدالة ليكون رادعًا لأفراد المجتمع عن ارتكاب الجرائم والمخالفات، وكانت الدولة تكافئ من يمنع وقوع السلب والنهب والاعتداء على البلدان والقبائل، وتعاقب من لديه القدرة على ردع ذلك ولم يفعل.
مثل هذه الأنظمة والإجراءات الأمنية في ذلك الزمن يدل على الفكر الأمني المتقدم، وقد سبق الإمام محمد بن سعود عصره في هذا المجال، فعندما تطبق الدولة الأنظمة بصرامة وعدل على الجميع وتعاقب المخالفين وتكافئ من يساعد على تحقيق النظام والأمن، فإن ذلك يضفي شعورًا بالطمأنينة لدى الجميع، والاقتناع بفكرة الدولة وتأييدها مما يحفز أفراد المجتمع للدفاع عن الدولة مما يضمن لهم الاستقرار والأمن حتى يعيش الناس حياة آمنة مستقرة مزدهرة وهذا شجع الكثير للانضمام إلى تأييد الإمام محمد بن سعود في بناء دولته الفتية.
أيقونة الإنجاز والتقدم
من خلال تحليل هذه الشخصية الوطنية العظيمة وإنجازاتها المدهشة غير المسبوقة، التي أسست دولة وكيانا سياسيا قويا مترامي الأطراف بإمكانيات محدودة، وفي ظل ظروف بالغة القسوة ومعارضات لمشروعه الحيوي، يتضح مدى عمق الفكر العسكري والاستراتيجي الذي يتكامل مع الفكر السياسي الذي يتحلى به الإمام العظيم محمد بن سعود -رحمه الله-، ويتضح أن هذا الفكر سابقًا عصره ويستحق مزيدًا من الدراسة والتحليل.
فقد وضع استراتيجية واضحة المعالم وقادرة على الصمود في وجه المصاعب والأزمات والتحديات ومقنعة بشدة لاتباعه ومؤيديه، معتمدة على مرتكزات هامة وصلبة، فكره العسكري واستراتيجيته اعتمدت على توفير الأمن الذي هو حجر الأساس في تكوين وازدهار واستقرار الدول، وتوحيد البلاد والعباد تحت قيادة واحدة ودولة مركزية لها سلطة وهيبة، وكذلك على عقيدة إسلامية صافية مطبقة للعدل والنظام وحفظ الحقوق للجميع، مما سمح للأبناء المنطقة ممارسة حياتهم الطبيعية الآمنة، وازدهرت التجارة والعلم وأصبحوا تحت كيان ووطن واحد متحابين ومتعاونين لما فيه خيرهم جميعا.
وقد نهض الإمام محمد بن سعود بهذه المنطقة المنسية البائسة، والتي كانت خارج التاريخ لردح طويل من الزمن بنهضة عملاقة، نقلها من التخلف والانحطاط إلى الرفعة والعز والمجد وأسس وطنا شاسعا عظيما قابلا للبقاء والاستمرارية، ويعد مفخرة للأجيال المتعاقبة.
كل هذا بفضل الله ثم بفضل جهود الإمام محمد بن سعود العظيمة التي تستند على فكر عسكري ورؤية استراتيجية أثبتت نجاحها وتفوقها بدليل تحقيق مشروع الدولة السعودية العظيمة، في وقت وظروف كان تحقيق مثل هذا الحلم أشبه بالمستحيل.
رحم الله الإمام محمد بن سعود ورحم الله أجدادنا اللذين قدموا التضحيات لتبقى لنا مصدرًا للفخر والاعتزاز والالهام ببذل كل ما أوتينا من قوة وجهد للحفاظ على تلاحمنا مع قيادتنا وحفاظنا على مكتسباتنا الوطنية، وبذل المزيد من الجهد للرفع من شأن هذا الوطن العظيم بكل المجالات، وخاصة أننا نعيش أفضل الأيام في بلادنا حاليًا، بما نشهده من نهضة وتقدم وهيبة وسيادة وقوة وتطور وازدهار، حتى أصبحت المملكة العربية السعودية مثالا يحتذى به بكل المجالات وقد أدهشت الإنجازات السعودية الهائلة الكثير من دول العالم وأصبحت قدوة وأيقونة للإنجاز والتقدم والسيادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.