الحياة بدايات.. منها سنّك الأولى التي تسقط فتضعها مدهوشاً في راحة يدك قبل أن ترميها للشمس لتمنحك سناً جديدة بداية لكذبة أو وهم لطرد غبار الخوف، إخفاقة القلب، رعشة اليد الأولى، بداية أول حلقة من سلسلة عذابات، والدمعة الساقطة بلوعة بداية النضوج. الدموع بأنواعها تتشابه لدى النساء، منها الباردة التي تخفيها في جيوبها منذ الصغر لتخرجها هروباً من موقف أو وسيلة للحصول على شيء تريده، ومنها الدافئة تتساقط بكثرة تعبيراً عن حزن أو فرح، التي تذرفها من العيون المنطفئة حزناً على هجر أو فقد حبيب، وتكون أكثر سخونة وأصدق خصوصاً إذا كانت خلف الأبواب المغلقة وبعيدة عن نظرات المحب. ولو أردنا أن نتكلم عن دموع الرجال فأغلبنا لا يعرفها، فالرجل الأول في حياتي "أبي" لم أرَ دموعه قط، وجدته شامخاً، فقط حشرجة صوته والهم يكتسح وجهه، هذا ماكان عليه في المواقف المحزنة، بعدها فهمت أن الرجل لا يبكي في مجتمعنا خوفاً من نقصان رجولته التي حمّلها إياه من هم حوله، وحتى يثبت رجولته يداري دموعه قناعة منه أنها تهين كبرياءه وهي موازية للانكسار والذل. وأثبتت دراسة لأحد الباحثين أن بكاء الرجل مع رجل تزيد الفرقة بينهما، بينما بكاء امرأة مع امرأة تزيد الارتباط والعاطفة بينهما، وهذا دليل على أن الرجل ينظر لدموعه على أنها نقطة ضعف، رغم أنها تنفيس مهم للطاقة الإيجابية والسلبية وعلاج للاحتقان والهم، وقد راودني الشك يوماً وأنا أقرأ عن أهمية البكاء ودوره في تخفيف ضغط الدم وآلام القلب أن بإمكان جدي – رحمه الله – أن يكون حيًا يرزق وبيننا إلى يومنا هذا لو أنه بكى وذرف الدموع، وأثبتت الدراسات الميدانية أن أحد أسباب طول أعمار النساء هو التخلص من بعض السموم من خلال دموعهن، أما من يكبته في داخله فيتحول إلى حسرات وهموم قد تؤدي إلى دمار صحته أو موته. فلو شعرت بالبكاء أيها الرجل.. حاول أن تبكي، فهذا لن يقلل من قدرك، على العكس سيرتاح قلبك و تشعر بالسكينة ومن يوهمك أنها تنقص من رجولتك فاعرف أنها بداية خداع على حساب عافيتك، وتذكر أن أول لحظة لك في هذه الحياة بدأتها بالبكاء.