يَبكِي ويَضْحكُ لا حُزْنَاً ولَا فَرحَاً ..كَعَاشِقٍ خَطَ سَطْرَاً في الهَوى أَوْ مَحَا وهكذا نحن أحياناً نضحك ولا ندري لماذا ؟ ونبكي ولا ندري على ماذا ؟؟ وفي كل الأحوال تبقى الدموع لها ألف رسالة ورسالة، ولها تعبيرٌ يختلف عن رسائل الابتسامة والضحك !! تكلم الحكماء والفلاسفة عن "دموع العين" وذهبوا بتفسيرات عدة عن دموع الطفل، والمرأة، والرجل، والشيخ الكبير ، فقد قالوا : دموع الأطفال توسلات، فإذا لم تُكَفكفْ كانت أوامر ، وما أصدقها من دموع إذا جاءت توسلات وأوامر ، ولكن أصعبها على الإطلاق تلك التي تأتي من "حرمان وألم" ! هناك من امتدح دموع الندم، لأنها تغسل الخطايا، وهناك من رأى في بكاء الطبيعة وبكاء الإنسان شيئاً عجباً، فهو يقول : كلٌ له دمعة، فإذا بكى الجبل ذرف الينابيع، وإذا بكت السماء ذرفت الأمطار ، وإذا بكى الإنسان لم يكن له سوى الدموع !! ويأتي ( جبران ) ليخبرنا عن أشد الدموع تأثيراً : ( دمعةٌ واحدةٌ تلمع على وجنة شيخ متجعدة أشد تأثيراً على النفس من كل ما تهرقه أجفان الفتيان ) ! نعم .. إن دمعة الشيخ الكبير هي طعنة خنجرٍ في صدره، إن استلها آلمته وإن أبقاها قتلته !! أما ( هيجو ) فله رؤية أخرى جميلة لدموع الآثم التائب، فهو يرى أن السماء تبتهج بدموعٍ يذرفها آثم تائب أكثر مما تبتهج بمائةِ رداءٍ أبيضٍ يرتديها مائة ٌ من الصالحين. وأقسى الدموع هي دموع الرجل الصادق في عواطفه ومواقفه وأحزانه، فالرجل قلما نراه يبكي، ولكن إذا بكى أبكى معه الكون كله، لأن ما أبكاه هو شيء عظيم قاهر ، لذا جاء كثرة تعوذ الرسول (عليه الصلاة والسلام) : "وأعوذ بك من قهر الرجال" ، الرجل لا يبكي إلا من قهرٍ شديدٍ ، وحتى إذا بكى لا يقبل أن يمسح أحدٌ دمعته، فهو يقولها بكبرياء : بعيني أنا أبكي، وبيدي أنا أمسح دموعي. ( أمين نخلة ) طلب من الرجل ألا يحبس دموعه، فقال : ابكِ - يرحمك الله - إن هذه الدموع مطافئ الحزن الكبير. والرجل لا يبكي إلا مرةً واحدة ً ولكن دموعه حينئذٍ تكون من ألد ماء !! والمرأة على نقيض الرجل، فهي أسرع بكاء منه لفرط عاطفتها الجياشة، ولأنها أكثر تأثراً بالمواقف المفرحة والمحزنة، لذا فهي سرعان ما تعبر بدموعها عن مشاعرها العاطفية، فهي في زواج ابنتها تبكي، وعند تخرج ابنها في الروضة والجامعة تزغرد وفي الوقت نفسه تبكي. وعندما تفاجأ بخبرٍ سعيدٍ جداً لا تملك تعبيراً عن شدة فرحها سوى البكاء، وعند فقدان عزيزٍ لديها فهي تبكي، وعند قدوم غالٍ على نفسها تستقبله أيضاً بدموع سمتها ( دموع الفرح ) ! ومع أن البعض لا يحب أن يرى دموع المرأة، إلا أن هناك من يرى أن المرأة التي لا تبكي فهي امرأةٌ بلا قلب !! الدموع ليست دائماً لأحزاننا، فهي معنا في أفراحنا أيضاً، وفي مناسباتنا السعيدة ! وقد يتكلف البعض منا في الضحك والابتسامة ويفتعل في استدعائهما - تمثيلاً - ولكن أحدنا لا يستطيع أن يستدعي دموعه حزناً إلا من بارعاً في التصنع المكشوف وجاءوا أباهم عشاءً يبكون !! الدموع الهادئة هي اللغة الصامتة التي لا يصاحبها أي صوت ولا حتى همس، وهي أنبل اللغات ! وأشد الدموع إيلاماً تلك التي تأتي على ضياع ملكٍ : "ابكِ كما تبكي النساء على ملكٍ لم تُحافظ عليه !! وأخطر دمعةٍ هي لمظلومٍ، فاحذروها فدعوته ليس بينها وبين الله حجاب ! وأجل دمعةٍ ما كانت من خشية الله. * خبيرة إدارية– تربوية– مدرب معتمد