"لم يحالفه الحظ في الحصول على معدل ينقذه عند احتساب المعدل التراكمي في السنة المقبلة، نغص علينا حياتنا، وقلل من ابتهاجنا، فهو قابع في غرفته لا يفارقها أبدا، حزينا، بائسا تائها، باكيا.. كم تحرقني تلك الدموع التي تذرف من عينيه، وتثير في الوقت ذاته غضبي، وقد ربيته على أن البكاء ليس من صفة الرجال، وليس من عاداتنا وتقاليدنا.. كيف لي أن أخلصه من هذه الحالة المزرية التي لا تليق به كرجل، فهو يذرف دموعه كالنساء".. بتلك العبارات قابلت "أم ماهر" صديقتها "أم بدر" التي استغربت الطريقة التي تصف بها صديقتها ولدها، فقد غاب عنها أن الدمع علاج نفسي لكلا الجنسين كبارا وصغارا، وأن الدموع في حالتي الحزن والفرح مفيدة، وغير ضارة للجسم. فهل تنتقص الدموع من هيبة الرجل ووقاره؟ أو تقلل من هيبته ومن صورته كرجل قوي يدير دفة الأمور في بيته وأمام أسرته..؟ ولماذا يعتبرها الموروث الاجتماعي صفة سلبية، وعلى أصحابها التخلص منها؟ ولماذا يدان من يذرف الدموع سواء من الرجال أم من النساء؟ يقول نصار المخلف (طالب جامعي) "مرات عديدة اضطررت إلى أن أحبس دموعي خوفا من اللوم لأنني رجل، فمنذ أن كنت طفلا غرست فيّ والدتي أن الدموع للنساء فقط، والرجال لا يبكون. أذكر عندما كنت في المرحلة الابتدائية تعرضت لضرب مبرح من أحد أطفال الحي مما دعاني للبكاء، وكانت النتيجة أنني تلقيت من والدتي ضربات موجعة بالعصا، وهي تردد لي كلماتها المعتادة "الرجل لا يبكي"، ومنذ ذلك الوقت وفي حال المواقف المبكية أنزوي عن نظرها حتى أفرغ طاقتي من البكاء". أما أبو مشاري ( 34 عاما) فكثيرا ما يتلقى اللوم والتأنيب من قبل زوجته وأهله، كونه يعبر عن مشاعره في المواقف المحزنة بالدموع.. يدافع عن نفسه ويقول "أنا إنسان ولا أستطيع كبح جماح مشاعري، وليس البكاء حكرا على النساء، وتعبير الإنسان عن أحاسيسه وبكل الطرق الممكنة ليس عيبا". نظرة ناقدة ويعاتب عوض الخليف أصحاب النظرة الناقدة لدموع الرجل قائلا: "الحزن والفرح حقيقتان نعيشهما رجالا ونساء، والحزن هو المصدر الرئيس لذرف الدموع .. هل الحزن حالة تخص المرأة، ولا يعاني منها الرجل؟". ولم يخف الخليف كونه يذرف الدموع في المواقف المحزنة، خاصة عندما توفي زميل له أثناء دراسته في الخارج، وقال: "حمدت الله أن دموعي تساقطت بعيدا عن المجتمع الناقد الذي أعيش فيه، ولو كان غير ذلك لتعرضت لكثير من اللوم والعتب". دموع قريبة وتروي الطالبة الجامعية "هناء" موقفا طريفا مع الدموع حيث تقول "عرفت بين زميلاتي ب"فاتن حمامة"، لأن دموعي قريبة جدا، فقبل أن تذكر لي إحدى الزميلات أي موقف محزن تقدم لي علبة من المناديل الورقية، لعلمها مسبقا بأنني لا أستطيع حبس دموعي في أي موقف سواء أكان محزنا أو مفرحا". نظرة خاطئة من جانبها تقول اختصاصية علم الاجتماع، مطيعة الغامدي، إن "للبكاء فائدة كبيرة للجنسين، والدموع أحد أشكال الانفعال العاطفي الذي يأتي بعد استنفاد وسائل التعبير الداخلية في الإنسان". وأضافت أن "ثمة أشخاصا يتصفون بالصدق، ولا يجيدون التلون وكبت المشاعر، وهم الأكثر ذرفا للدموع في المواقف سواء المحزنة أم المفرحة. وفي الجانب الآخر يقبع آخرون لديهم قدرة عالية على التكيف مع المواقف، ولاسيما المحزن منها، وهم أبعد من غيرهم لذرف الدموع"، مشيرة إلى أن الذين يحبسون دموعهم هم الأكثر عرضة للأمراض النفسية من غيرهم. وأشارت الاختصاصية إلى النظرة الخاطئة التي تتناقلها الأجيال في مجتمعاتنا، والتي ترى أن الرجل لا يبكي، والبكاء فقط مقصور على النساء، وقالت: "البكاء لا يقتصر على شخص دون الآخر، ولا النساء دون الرجال، أو الأطفال دون المتقدمين في العمر، فالأحاسيس لا تميز بين فئة عمرية، وبين جنس وآخر".