الالتزام بالبقاء مع شخص، تتشارك معه تفاصيل حياتك، قرار ليس بالسهل أبداً، وربما يكون من أصعب القرارات المصيرية التي قد تمر على الإنسان في رحلته. وتلزمه التفكير مليّاً في أبعاده، وتُحتم عليه اختبار مدى تقبله للفكرة؛ إذ عليه أن يمنح نفسه وقتاً كافياً قبل الشروع فيه. لأن ذلك القرار قد يغير حياته ويقلبها رأساً على عقب إن لم يتناوله بمنتهى الجدية؛ فالحياة مليئة بالمفاجآت التي لا يمكن التنبؤ بها، وكلنا معرَّضون للحوادث، ولكن ليس الجميع يجيد التصرف معها بحكمة. إذ يؤدي اختيار الشريك، إلى تكوين أسرة طبيعية قد تساهم في تنمية المجتمع، أو مختلة سيكون أبسط ما تفعله تفريخ مزيد من العاهات، التي من شأنها أن تفسد المجتمع وتمرضه. لذلك نكرر بأن «الزواج أمر ليس سهلاً، أو تحصيل حاصل، فليأتِ كما يأتي»، ومن يعتقد ذلك فإنه حتماً تم تفريخه من إحدى تلك الأُسر المختلة نفسيّاً، التي آذت المجتمع بجهلها وعدم شعورها بالمسؤولية. لا يصلح الآن أن يتزوج الناس بنفس الطريقة «العمياني»، بل أصبح ضروريّاً جدّاً أن يختار كلٌّ شريكه عن قناعة ورغبة شخصية لا يُعتمد فيها على الانصياع للوالدين فقط؛ لاعتقاد بعضهم أن ذلك يدخل في باب البر؛ فالتجارب السابقة أثبتت أن المجاملة والتسرع في الزواج قد يؤديان إلى مشكلات متسلسلة لا تنتهي، وإن نجح «بعض» آبائنا وأجدادنا في تجاربهم، فلنضع نصب أعيننا أنهم كانوا يعيشون في زمن غير هذا الزمن. فمثلاً، لا تتوقع أن تجد في زوجتك صورة طبق الأصل من والدتك التي ربَّتك، لمجرد أنها اختارت لك تلك العروس، فإذا لم تجدها كما تهوى فبدلاً من أن تقسو عليها تذكر أنك منذ البداية «لم يكن لك رأي أو شخصية» في مسألة اختيارها، بل كنت تحاول أن ترضي والدتك وتضرب مثلاً في البر الذي ليس في محله بتلبية رغبتها بتزويجك من فتاة اختيرت لك مُسبقاً بمواصفات والدتك دون أن تتجرأ على إبداء رأيك أو تفتح فمك للتعبير عن استعدادك النفسي لفكرة الزواج برمته، لتنتهي جالساً بجوار عروسك مثل المزهرية ليلة الزفاف، وكلك ثقة بأن كل شيء سيكون على ما يرام وستحبُّها وتُحبك كما قيل لك. ومع عزوف فئة من الطرفين عن الزواج بعد ارتفاع سقف طموحهم في شريك العمر، واستمرار ارتفاع حالات الطلاق، والعناء الذي يتبعه من تفاوت في أحكام الزيارة والحضانة والنفقة، وتشتت الأبناء وتعريضهم لعنف نفسي وجسدي بسبب تفاقم مشكلات الطلاق؛ بات الحرص في مسألة الزواج واجباً ومطلباً اجتماعيّاً؛ فالمجتمع أصبح لا يحتمل مزيداً من الأسر المفككة والأبناء المشتتين والمنحرفين وغير المستقرين نفسيّاً!. «فلا تتزوج».. إلا بعد أن تتأكد من أنك بحجم تلك المسؤولية، وقادر على على بناء مستقبل واعد وشد أوتاده، تأكد باختيار من توافقك الميول والآراء وتستطيع أن تصنع معك نمط حياة مناسبة ومستقلة؛ فالحياة الزوجية ليست للإنجاب فقط، ولا تعتمد على أداء طرف واحد بينما يرتاح الآخر، معتقداً أن ذلك من مقومات الرجولة؛ فالزواج مشاركة وجدانية أساسها العطاء لتحقيق أهداف طويلة المدى. فإذا كنتِ لا تتقبلين الشخص المتقدم لكِ، فحاربي الفكرة وناضلي من أجل مستقبلك مهما كان الثمن، فإذا أجبرك والداك على الاقتران بشخص لا ترغبين فيه، فقاومي ولا تستسلمي؛ لأنه سيأتي وقت تتمردين فيه على بيتك وزوجك والمجتمع. أما إذا كنتِ مقتنعة به، فحكِّمي عقلك وقت عقد القران، وقبل أن توافقي، ضعي شروطك بواقعية، ولا تحصريها في إطار «أن يسمح لكِ بإكمال تعليمك، أو أن تستمري في عملك، أو أن يُسكنك في منزل منفصل» فقط؛ ففي النهاية إن كنتِ تشعرين بأنه ليس جديراً بالثقة فلا تغامري. وأصبح الآن لزاماً على الطرفين أن ينتهزا الفرصة قبل الاتفاق على الخطبة، لتمرير استفساراتهما بذكاء، فينبغي عليهما أن يوضحا رغبتهما وتوقعاتهما وما يبحثان عنه في الزواج؛ لأن هناك أساسيات ينبغي أن يتم طرحها ذلك الوقت تحديداً؛ مثل مبدأ الشراكة التي ينبغي أن تكون 50 % من الطرفين. مهمٌّ أن يفهم الخاطب أن الفتاة ليست ملكاً لأحد، بل هي كائن مستقل له هويته وشخصيته ورغباته، فبعض الأمهات لا تفعل خيراً بابنها حين تربِّيه وتقنعه بمعتقدات خاطئة يصدقها ويتبناها ويطبقها على بنات الناس بأفقٍ ضيق، معتقداً أن الغرض من زواجه يقتصر على خدمته وإسعاده وإنجاب وتربية أطفاله، مقابل توفيره الطعام فقط، بل يرى بعضهم أحياناً بأنه يقدم معروفاً للفتاة وأسرتها بزواجه منها. فمن يُعبر بثقة بأنه حين يتزوج ستصبح زوجته ملكاً له، ومن حقه أن يتحكم فيها ويبتزها ويسلب راتبها، ويحرمها من أبسط حقوقها، فأنصحه بأن «لا يتزوج»، لأنه سيمارس عليها طقساً من طقوس العبودية الحديثة، ويبقى عليها الفرار منه مهما كان حجم الإغراءات.