لم تمهل أحداث الانقلاب الأخير في تركيا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون فرصة لممارسة فعل «القلق» فلم يأخذ وقته كي يفرك عينيه ويستيقظ من نومه كي يستوعب أن الشعب التركي قد قام برسم لوحته الوطنية خلال ساعات بتوقيت تركيا الجديدة التي قدمت للعالم درسا في صناعة وطن مكون من قوس قزح ومن بعض السطور العظيمة عن ساعات مثمرة في دروس الحفاظ على الأوطان ومقدراتها لم ينتظر الأتراك بان كي مون الذي يأتي متأخرا ليطلق صفارات القلق ويعلن عن شعوره المثلج تجاه القضايا التي لا تحتمل أنصاف الحلول كانت يقظة الأتراك أسرع من قوافل الانتظار على بوابات البسفور الذي كان شاهدا على إرادة الشعب وفرضه لكلمته في ملحمة وطنية قد لا تنتظر لحظة قلق أكثر من بحثها عن قوة الإصرار والعزيمة في صناعة فارق كبير يحمل بصمات اليقظة والمواطنة الناضجة كما لم ينشغل رجب أردوغان ليلة الانقلاب بالحديث مع شعبه عن مشاعر القلق بل اختار طريقا قصيرا وحاسما وصادقا في حديث من القلب إلى القلب ليحصد خلال ساعات خارطة تركيا المكللة بالورد التركي لم تنتظر تركيا بيان بان كي مون عن مشاعره القلقة بل كتبت بدماء شعبها قصيدتها التي نظمتها بلحن وطن لا يمكن أن تخطئه الآذان لم تنتظره أن يكرر ما يفعله دائما في ردة فعله على مجريات الأحداث الصاخبة التي يعيشها العالم لدرجة أنه لم يعد قادرا على إعلان شعوره بالقلق وذلك بسبب سرعة وتيرة الأحداث وتلاحقها في حين اعتبر عديد من متابعيه أن مهنة بان كي مون السهلة التي يتقاضى حوالي 35 ألف دولار شهريا عليها ليست إلا بعض حالات القلق المريح الذي عبّرت عنها مقدمات خطاباته أو البيانات الصادرة باسمه دائما بإبداء قلقه بينما تعيش معظم شعوب العالم حالة عارمة من القلق المجاني بسبب الأحداث والأزمات الاقتصادية وقد شمل قلق بان كي مون المعلب الأوضاع في فلسطين والعراق وسوريا والشرق الأوسط كما اتسعت دائرته لتشمل الدول الأوروبية وتجاوزها إلى عديد من القضايا مثل أزمات المياه ووجود الحشد الشعبي الإيراني «وداعش» بينما كان تقاسم القلق مع رؤساء الدول حول القضايا المختلفة مما حفّز متابعيه على إحصاء عدد مرات قلقه المزمن ففي السنة الماضية سجل بان كي مون 180 حالة قلق منها 27 قلقا لدولة اليمن و19 بين إسرائيل وفلسطين و15 قلقا لأوكرانيا و11 لإفريقيا و9 للعراق و6 لنيجيريا و7 لسوريا و5 لجنوب السودان و4 لمالي وبحسب بحث أجرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية وجد أنه خلال عام 2014 وصلها 140 بياناً صادراً عن «كي مون» أبدى فيه قلقه تجاه إحدى القضايا مما جعل البعض ينتقد الاستهلاك المبالغ فيه لمشاعر القلق وتخوفهم من انتشار هذه العدوى إلى باقي الشخصيات المنتجة للقرار في عالمنا العربي والإسلامي ومن تحول هذه المنطقة إلى مؤتمرات منتجة للقلق باهظ الثمن بينما تتلظى الشعوب العربية والإسلامية من ويلات قلق تجاوز حدود الكلام إلى الصمت والفارق بين معطيات التجارب في استهلاك مزيد من كميات القلق الذي لم يثمر إلا ذلك الملح المسفوح على جدراننا العربية إلا حالة انتظار معجزة الحلول الناجعة التي يمكن أن تأتي في موعدها الحاسم لتعيد مواسم الحنطة إلى حقولنا وتعيد إلينا عناويننا ووجوهنا المسافرة الهاربة من محطات التعب والمفاجآت التي تعبت من مجاراة المجهول.