يذكر الكثير ممن شاهد وتأثر بمسرح الكاتب الإنجليزي الكبير بيترشافر Sir Peter Shaffer والمتابعين لكتاباته المسرحية، كيف استطاع إضفاء نوع من الغموض والطرافة على شخصياته، وقد تعمد شافر في مسرحية (الكوميديا السوداء) مثلا التي رسم لشخصياتها التي تتحسس طريقها في غرفة حالكة الظلام أن تكون (رمزاً) للحيرة في (واقع) لا يمكن تجاهله، حيث تحيط بخشبة المسرح هالة ضوء ساطعة.وهو الأسلوب الذي يتميز به بيتر شافر في كتابته وإبداعه المسرحي، يبدو لنا اليوم مسرح الأحداث من حولنا كما لو كان مسرحا تختلط فيه الأحداث بين الواقع والخيال، بين الرمز والحقيقة. في مسرحيته (إيكوس) الحصان Equus، تأخذ هذه المسرحية، ونحن نتصور أن ما يدور من أحداث لا يستبعد أن يكون (مسرحية من مسرحيات الكوميديا السوداء)، وإن لم تكن كذلك كما الواقع، في فصول هذه المسرحية يلجأ الكاتب المسرحي بيتر شافر في الفصلين الأخيرين إلى منحى يخلط بين الواقعية والرمز، بل يحيل الخيال إلى واقع، ودائما الجريمة أو الكارثة، المأساة، مهما تكن، في كل مسرحية وقصة محور أساسي ومحرك للأحداث، وفي مسرحية (إيكوس) أعطى بيتر شافر بطلي مسرحيته الطبيب (مارتن ديسارت) ومريضه الشاب المضطرب نفسيا (آلن سترانج)، مساحة أكبر، في الفصول الأولى من المسرحية، وفي الفصلين الأخيرين، كشف بيتر شافر الكثير من تفاصيل وملامح تلك الشخصيتين الغامضتين، وأضاء أكثر ما وراء خلفيات الجريمة وملابساتها، وهذا ما نحتاجه اليوم، ونحن نحاول قراءة الأحداث حولنا، وقد أصبح الجميع، وكأنهم وقد فتحت له أبواب ونوافذ فضاءات السوشال ميديا أصبحوا محللين سياسيين يقرأون الأحداث وما بين سطورها من أسرار. يَعتبِر بيتر شافر الحصان (إيكوس) رمزا للقوة الخفية، وقد استلهم أحداث مسرحيته الرمزية من جريمة حقيقية، كان مسرحها أحد إسطبلات الخيول بمنطقة ريفية كئيبة منعزلة في وينشستر. في تعريفه لمتاهات نص مسرحيته يقول الكاتب بيتر شافر (أطباء النفس فصيل مبهم في تنوعه، إذ لهم أساليبهم المتباينة في علاج مرضاهم. مارتن ديسارت الشخصية الأبرز في المسرحية هو ببساطة طبيب ما في مستشفى ما، وأتحمل كامل مسؤولية تصرفاته كما أتحمل ردات فعل مريضه آلان سترانج).أحداث مسرحية إيكوس المبهمة وشخصياتها المعقدة، وإن كانت من نسج خيال مؤلفها شافر فيما عدا الجريمة التي يمكن أن تحدث، ومن المتوقع حدوثها، وعلينا أن نقرأ تفاصيلها قبل تحليلها. والجريمة، الحدث الرئيسي في مسرحية بيتر شافر (إيكوس أو الحصان)، يمكن لها أن تحدث في أي زمان وفي أي مكان. في الفصل الأخير من المسرحية يدور هذا الحوار بين المحامي والطبيب بعد أن أحيل بطل المسرحية آلان سترانج لمستشفى الأمراض العقلية: الممرضة: ماذا قلت. كأنك سرحت في التفكير ولم تستوعب ما قلته..! الطبيب: لا لا..لكني أفكر ما الذي فعله ذلك الشاب الذي استغرق إقناع هيئة محاكمته المتشنجين، ساعتين ليقتنعوا بإحالته لمستشفاي؟ الممرضة: ماذا فعل؟ فقأ عيون تسعة خيول بمسمار.. تصور! الطبيب: (متفاجئا) أعماها كلها لماذا؟ الممرضة: (مؤكدة) أعماها كلها. في إسطبل قرب وينشستر، محاولا إخفاء الحقيقة. ويدرك بيتر شافر ونحن معه أنه من الصعب إخفاء الحقيقة ولو كان رمزاً.