«كوميديا الأحزان»... عنوان المسرحية التي استضافها «مركز الإسكندرية للإبداع» التابع للفرقة القومية للعروض المسرحية، وهي تتناول الكثير من الإسقاطات السياسية والرؤى الجريئة لواقع الشرائح المهمّشة في المجتمع العربي. تتحاور شخصيات المسرحية وتعيش مع شخصيات أخرى، لكنها في الوقت ذاته تتحاور مع ذاتها، ماضيها حاضرها، آمالها التي أجهضت... سبع شخصيات تبوح في إطار غير تقليدي: أحذية تصرخ، جمادات تتكلم، مسرح يتحول لمتاهة تكاد تبتلع المشاهد لتشركه عمداً في دراما النص، وموسيقى تصدح، نابضة صاخبة أحياناً... صادمة أحياناً أخرى، وأشعار فجة تقفز الجرأة من جنباتها، في تجربة درامية ساخرة، تأخذك لتشتبك مع المتغيرات والأحداث السياسية الراهنة. تجتمع كل تلك العناصر لتناقش أعمال القهر والقمع الذي كان يحياه الشعب المصري قبل الثورة، حتى أصبح الإنسان مطروداً من الواقع ومن الخيال، يعيش في القبور، ويتناول الفتات. عكست مسرحية «كوميديا الأحزان» التداعيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي شكلت الوقود الذي أشعل فتيل «ثورة 25 يناير» (كانون الثاني) المصرية كأيقونة لبقية الثورات في المنطقة، والتي تشترك معها في الأسباب... والمطالب. واستطاع هذا الزخم الدرامي والتنوع الموسيقي أن يبتكر حالاً مختلفة من الإبداع يرضي ذائقة الجمهور، الذي وجد له متنفساً للتعبير عن مشاعره وأحلامه التي ظلت تسرق منذ ثلاثين عاماً. يدور الحوار على لسان شخصية رئيسية: عم حافظ بطل العمل (عبد الرحيم حسن) وضحى (وفاء الحكيم) وجاويش (معتز السويفي) ممثل السلطة، وهو رجل الأمن المريض الذي يتفنن في التعذيب ويسحق آدمية البشر، بالإضافة إلى يوسف (وائل أبو السعود) الشاب الذي تحول إلى حيوان يمشي على أربع مثل الكلاب التي دائماً يشبّه نفسه بها نتيجة تهميشه المبالغ فيه من جانب المجتمع، وهو ينتظر عربات الزبالة ليحصل على بعض من فتاتها. إلى تلك الشخصيات، هناك رندة، الفتاة التي فقدت حبيبها في ميدان التحرير، ويوسف (محمود الزيات) الذي ابتعد بإرادته حتى أتت الثورة لتخرجه من كهفه ويتفاعل مع المجتمع ويجاهد كي يحصل الجميع على حقه. يوضح المخرج سامح مجاهد انه «بالتعاون مع المؤلف إبراهيم الحسيني وجدنا ضرورة لإبداع نص جديد من رحم الثورة ندعو فيه إلى العمل وضرورة البناء، وذلك بطريقة غير مباشرة من خلال سبع شخصيات كانت تعاني من ضغوط كثيرة قبل الثورة التي فاجأتهم... لنرى بعدها ماذا فعلت بهم وفعلوا بها». ويتمنى مجاهد أن تصل رسالة العمل إلى المشاهد «الذي أصبح في حاجة إلى مسرح يعكس همومه وأزماته الآن أكثر من أي وقت مضى. فالشخصيات أمامنا تتحاور وتعيش مع شخصيات أخرى... ولكنها في الوقت ذاته تتحاور مع ذاتها، ماضيها، حاضرها، آمالها التي أجهضت وآلامها التي تعيش فيها». المسرحية من تأليف وأشعار إبراهيم الحسيني وإخراج سامح مجاهد، بطولة عبدالرحيم حسن ووفاء الحكيم ووائل أبو السعود ومحمود الزيات ومعتز السويفي ورندا إبراهيم. أما الموسيقى والألحان فهي لأحمد حجازي، والديكور والأزياء لمحمد هاشم. وكانت المسرحية عُرضت على «مسرح الغد» في القاهرة الشهر الماضي، وستعود إلى المسرح ذاته بعد جولة في المحافظات المصرية.