أكتب لكم سطوري هذه ودموعي لم تجف بعد ومازلت تحت هول الصدمة التي لم تكن على البال أو الخاطر. الصدمة التي جعلتني أعيد النظر في كثير من حساباتي وأغير كثيرا من قناعاتي وأتفهم أكثر مصيبة الطرف الآخر. فقبل أيام تلقيت خبراً عصياً على الاستيعاب بأن ابن إحدى الصديقات العزيزات من دولة عربية شقيقة التي جمعتني بها المحبة والجيرة والعيش والملح لأعوام قد قتل في الموصل بين صفوف داعش! لم أتخيل يوماً أن دائرتي الاجتماعية التي لا يوجد بها إلا أناس طيبون ومتسامحون، على اختلاف مذاهبهم ومللهم وأجناسهم وأصولهم قد ينجبون داعشياً! كيف ومتى ولماذا؟، سيل من الأسئلة العصية دون أجوبة، فقد كنت أعتقد فيما يشاركني به كثيرون أن الدعشنة ترسخ قواعدها دائماً في المنزل، تبنى على قلوب مملوءة بالحقد والكراهية، تنتعش في عقول ذات عقائد منحرفة وشاذة، لكنني تأكدت الآن أن هذا ليس بالضرورة صحيحاً، وأن هناك بعض الاستثناءات، فأنا على يقين أن البيئة التي اختطف منها هذا الشاب ليست كذلك. تعود إلى ذهني تعزية كوثر الأربش لأم قاتل ابنها وابني أختها في تفجير العنود الغاشم وكيف لامها اللائمون باعتبار تلك الأم ومما لا يدع مجالاً للشك هي شريك ضمني في تلك الجريمة، لم ألمها حينها وأجد نفسي الآن أكثر تفهماً. المتفجرات والأحزمة الناسفة ليست سلاح داعش الوحيد وبالتأكيد ليست الأخطر، بل إن أخطرها تلك الأساليب القذرة التي تستخدم لجذب الشباب والتسلل إلى عقولهم وتوطين أبشع الأفكار والعقائد فيهم ثم تجنيدهم بين صفوفها. بعضهم يعلم أنه بكل ما يبثه يحشد حشود الظلام وبعضهم بكل حماقة ينفث في بوق الفتنة فيؤلب ويحرث أرضاً خصبة لسموم داعش دون أن يعلم. أتأمل صورة الشاب القتيل المغرر به الذي عرفته طفلاً فتعتريني نوبة حادة من الغضب، لقد اختطفوه من أهله من محبيه منّا من وطنه ومن الإنسانية، خلايا شيطانية منتشرة في كل العالم، تواطؤ دولي خسيس يسهل لتلك الخلايا عملها ويغذي الصراع العربي – العربي والإسلامي – الإسلامي بخلق هذا الوحش الذي امتدت يده وأصابت حتى المتواطئين في مقتل. إن ما أرمي إليه أننا جميعاً مستهدفون لكننا أيضاً مسؤولون، نحن جبهة المقاومة الأولى، نحن سنحمي أبناءنا من براثن هذا الوحش نحن من سيحدث الفرق. علينا جميعاً أن نتحد ونتعاون لننقذ ما يمكن إنقاذه بدل تراشق التهم والتهرب من المسؤولية. اللقاح الأول الذي علينا استخدامه هو الحب أجل الحب، فمن الصعب جداً انتزاعه واستبداله بالكراهية. املأوا قلوب أبنائكم بحب كل المسلمين بل كل البشر على اختلاف أديانهم وتمثلوا هذا الحب والاحترام في جميع أقوالكم وأفعالكم، فلا تدّعوا التسامح ثم ترفعوا أيديكم داعين بالويل والثبور والهلاك على كل من خالفكم. والأهم من ذلك أن تملأوها بحبكم أنتم واهتمامكم أنتم لا يمكن أن يُتبنى من قبل أي جهة من يشغل والديه حيزاً كبيراً من حياته، ابدأوا بذلك مبكراً بل مبكراً جداً سيستعصي التقرب لمراهق أهملتموه طوال فترة طفولته. لا تهملوا طاقات أبنائكم وظفوها في الخير والبناء بدل أن تكون وقوداً تحرق بها داعش العباد والبلاد، اجعلوهم شباباً وشابات رساليين أصحاب قضية ولا قضية أهم من السلام سيصعب استبدال غصن الزيتون ببندقية. وأخيراً ابتعدوا أنتم وأبناؤكم عن التنطع في الدين فإنه لا يقود إلا للتطرف فإما ستخلقون دواعش ومتشددين وطائفيين وإما سيهرب هؤلاء الشباب منكم ومن دينكم فتتلقفهم أيدي الإلحاد واللا دينية. ساعد الله قلوب الأمهات، إن كانت كل هذه الحرائق تشتعل في جوفي وأنا مجرد صديقة لأمه العابرة التي ربما ربتُّ على رأسه مرةً أو مرتين وداعبت خديه المكتنزين مرةً أو مرتين، فكيف بقلب أمه التي أنجبت وربت وحلمت أن تراه طبيباً بارعاً كما هو متوقع من طالب طب متفوق مثله يخدم الإنسانية ويرفع رأس والديه ووطنه، بدل أن يخزيهما فيخسرانه كما هي أفدح الخسائر.لقد تعود قلبي بكاء الشهداء لكنها المرة الأولى وأدعو الله أن تكون الأخيرة التي أبكي فيها داعشيا.