بالأمس القريب أشار وزير خارجية دولة الإمارات الشقيقة، الشيخ عبدالله بن زايد، بأصابع الاتهام إلى مفتي الإخوان المسلمين يوسف القرضاوي، وحمّله مسؤولية العمليات الانتحارية التي تحدث في المنطقة. واقعاً، الشيخ عبدالله بن زايد محق تماماً في اتهام القرضاوي فنحن في المملكة والإمارات نجد صعوبة كبيرة في تقبّل كلام القرضاوي، لأن لغته هو وجماعته تختلف اختلافاً جذرياً عن اللغة التي يستخدمها علماء الدين عندنا. الجهاد عندنا له ضوابط وشروط وليس عملا فوضوياً، فمن شروطه أنه (لا يجوز الجهاد إلا خلف الإمام) و(الانتحار أمرٌ محرّم أشد التحريم) ولا نفهم بتاتاً معنى أن تقوم (جماعة) بالافتئات على الإمام وتجاوزه وإعطاء نفسها الحق في إدارة العمليات القتالية دون إذنه. إمام المسلمين هو الأعرف بالمصلحة العامة، والظروف السياسية المحيطة، وهو من يتخذ قرارات الحرب والسلم، لا الجماعات السريّة والتنظيمات الخفيّة. في برنامج الشريعة والحياة الذي تبثه قناة الجزيرة في قطر سئل القرضاوي عمن يكون مقاتلا في سوريا فيقرر أن يفجر نفسه لكي يُلحق الضرر بجيش بشار الأسد، حتى إن ألحق التفجير ضررا بحياة المدنيين، فلم يعترض القرضاوي على هذا الفعل بل أجازه بشرط أن يكون القرار متخذاً من قبل (الجماعة) وليس قراراً فردياً. من هي هذه الجماعة؟ هل هذه الفتوى لكل الجماعات العاملة في سوريا؟ أم إنها خاصة بجماعة معينة؟ كيف لنا أن نعرف جماعة الحق هذه؟ هنا يكمن الإشكال العميق مع القرضاوي وجماعته، فأنت عندما تستمع لأحاديثهم تشعر أن لهم ديناً آخر غير دينك، فنصوص القرآن والسنة التي تعرفها، لا تسمع بها في خُطبهم وأحاديثهم، بل تسمع أحاديث وأباطيل لم تسمعها قط، وهذه الأباطيل والقصص التاريخية يقدمونها على قطعيات الكتاب والسنة ويجعلونها حاكمة عليها، فقط لأنها توافق مرادهم وتتناغم مع مشاريعهم السياسية الثورية التي تسعى للجلوس على الكرسي. رحم الشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي المملكة فقد كان أفقه وأحكم وأعرف بفقه الواقع مِن كل من اتهموه بالتقصير والبُعد عن الواقع، وذلك عندما أفتى بحرمة العمليات الانتحارية. كان هذا في أيام الانتفاضة الفلسطينية 1987 وبداية التسعينيات. وكان هناك عديد من الأصوات التي اعترضت على الشيخ الجليل وكيف يقول بحرمة عمليات الحزام الناسف وتفجير الجهادي نفسه في مطعم أو في مكان يجتمع فيه الأعداء للنكاية بهم. إلا أن ابن باز بقي مصرّاً على رأيه بحرمة هذا العمل وأن عملية الحزام الناسف تختلف عن قصة البراء بن مالك الذي رماه المسلمون من وراء السور ليقتل الأعداء ويفتح باب الحصن. ثم اتضح للجميع اليوم حكمة الشيخ العميقة وفهمه للواقع وأنه أعلم من كل من خالفوه وشنعوا عليه، فالحزام الناسف الذي أفتوا بجوازه في التسعينيات ها هو قد ارتد إلى نحور المسلمين وها هو قد وصل إلى مسجد المدينةالمنورة ومرقد رسول الله عليه الصلاة والسلام. لقد كان يُدرك بحكم معرفته الخوارج والمتطرفين من كل مذهب، أن الإفتاء بجواز العمليات الانتحارية سيرتد إلى نحور المسلمين وأن تلك الفتوى سوف تُستخدم ضدهم، فأفتى بتحريمه من أول يوم، وبقي صامداً على رأيه، برغم كل التشنيع الذي ناله في حياته وبعد مماته.