تصاعدت المواجهة بين جماعاتٍ سوريةٍ مسلحةٍ مدعومةٍ أمريكيّاً لكنها يعادي بعضها بعضاً، ما يُعقِّد الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي. وأكدت جماعاتٌ معارِضةٌ لنظام بشار الأسد وتنضوي تحت لواء الجيش الحر دخولَها صراعاً متنامياً ضد وحدات حماية الشعب الكردية. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن أحد الفصائل المنضمَّة إلى الجيش الحر في منطقة حلب أطلق في ال 12 من يونيو الجاري صاروخاً موجَّهاً من طراز «تاو» على موقعٍ تابعٍ للوحدات الكردية في أول هجومٍ من نوعه. وللجانبين أولوياتٌ مختلفة؛ إذ تحارب المعارضة لإقصاء الأسد بينما يحاول الأكراد اقتطاع مناطق سيطرةٍ في شمال البلاد. ويتهم كل جانبٍ الآخر بالتآمر في حربٍ أخذت بُعداً عرقيّاً. و»إذا لم يوجَد حل سياسي بين الثوار والأكراد؛ فإن الأمور تتجه إلى التصعيد»، بحسب المكتب السياسي للجبهة الشامية التي تُعدُّ من أكبر فصائل الجيش الحر في حلب. ولاحظ المكتب «يوجد فاصل يزداد عمقاً بيننا». فيما نفى المتحدث باسم وحدات حماية الشعب، ريدور خليل، سعي مجموعته إلى بدء معركةٍ مع جماعات الجيش الحر. لكنه استدرك «إذا كانوا يريدون الحرب فسيخسرون بكل تأكيد». وبعد مرور أكثر من 5 سنوات؛ لا تلوح في الأفق أي بادرة حلٍّ للأزمة السورية. وحالياً؛ كشف الصراع المتصاعد بين طرفين يحظيان بدعم الولاياتالمتحدة عن صدعٍ يمثل تحدياً للحملة على تنظيم «داعش». وبدأت الحملة تتغلغل في مناطق ذات أغلبية عربية شرقي حلب بدعمٍ من وحدات حماية الشعب بدءاً بمدينة منبج. وفي حين كان المقاتلون الأكراد قوةً فاعلةً في مواجهة التنظيم الإرهابي؛ تقول المعارضة إن وحدات حماية الشعب لا يمكن أن تحقِّق الاستقرار في المناطق العربية. وتُشبِّه المعارضة الوحدات بالفصائل الشيعية التي تقاتل «داعش» في العراق وتُقابَل بارتيابٍ من العراقيين السنَّة. وتشير الشواهد إلى إدراك الولاياتالمتحدة هذه الحساسيات. في هذا الصدد؛ تحدَّث مسؤولٌ أمريكي عن ضمِّ عددٍ أكبر من العرب إلى تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» الذي تشكَّل في أكتوبر الماضي لمحاربة «داعش» ويعتمد أساساً على قوة نيران وحدات حماية الشعب. وأبان المسؤول «نحن نبذل جهداً كبيراً لتنويع القوة». وفي هجوم منبج؛ كان كثيرٌ من مقاتلي «قوات سوريا الديمقراطية» من السكان النازحين عن المدينة التي ستُسلَّم السيطرة عليها لقوةٍ محليةٍ بعد تحريرها. واعترف المسؤول الأمريكي «من الواضح أن الارتياب كبير في النيات، وفيما يتعلق بحق السيطرة ومشاركة كل الأطراف؛ فإن هذا موضوع في غاية الحساسية لنا». ويتركز الصراع بين وحدات حماية الشعب والجيش الحر في الركن الشمالي الغربي من سوريا حيث تشتبك الأطراف الرئيسة بطريقةٍ أو بأخرى ومن بينها روسيا حليفة النظام. ويمثل الجيش الحر جزءاً من المعارضة الوطنية للأسد الذي تحاربه أيضاً جماعات تربطها صلات بتنظيم القاعدة. وتحصل عدة جماعات غير متشددة على مساعدات عسكرية من خلال برنامج تدعمه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه). كما تدعمُ واشنطن هجوم منبج بغاراتٍ جويةٍ وقواتٍ بريةٍ خاصة. ولمحافظة حلب أهمية خاصة لأسبابٍ من بينها موقعها على الحدود التركية. وتكافح المعارضة للإبقاء على الطرق المؤدية إلى القطاع الذي تسيطر عليه من مدينة حلب «مركز المحافظة» مفتوحةً، وهي في الوقت نفسه تقاتل «داعش» إلى الشمال. من ناحية أخرى؛ تسيطر وحدات حماية الشعب على منطقة عفرين القريبة التي تقدمت منها إلى مناطق المعارضة شماليّ حلب في وقت سابق من العام الجاري. واعتبر الجيش الحر ذلك هجوماً تم تنسيقه مع روسيا وحكومة دمشق، وهو ما ينفيه الأكراد. وتسيطر الوحدات أيضاً على جانبٍ كبيرٍ من منطقة الشمال الشرقي للبلاد حيث يعمل حلفاؤها السياسيون لتدعيم حكم ذاتي في نظامٍ مقترح يقولون إنه سيمنح كل الجماعات حقوقها. بينما يصف معارضو الأسد الحكمَ الذاتي بجزءٍ من مشروع انفصالي. ومع ما يحصل عليه تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» من دعم؛ يرى محللون أن وحدات حماية الشعب قد تريد التقدم من منبج إلى عفرين بهدف سحق الجيش الحر قرب حلب. لكن المسؤول الأمريكي ذكر أن التقدم غرباً من منبج في اتجاه حلب ليس جزءاً من خطة «قوات سوريا الديمقراطية». وربما يشير ذلك إلى حساسية أمريكية فيما يتعلق بمخاوف تركيا التي تعارض زيادة نفوذ وحدات حماية الشعب. واعتبر المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، نواه بونسي، أنه سيكون من الأفضل للجميع توصُّل أنقرة ومعارضي الأسد ووحدات حماية الشعب إلى اتفاق فيما يخص تقسيم المهام المطلوبة لإخراج «داعش» من شمال حلب وتسمية الطرف الذي سيسيطر على المنطقة لاحقاً. وتُرجِع أنقرة ارتيابها في المقاتلين الأكراد إلى صلات الوحدات بحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمرداً في جنوب شرق تركيا منذ نحو 30 سنة. وامتد الصراع بين وحدات حماية الشعب والجيش الحر إلى مدينة حلب نفسها التي يخضع حي الشيخ مقصود فيها لسيطرة الأكراد. واتُّهِمَت الوحدات بشنِّ عدوانٍ من خلال إطلاق النار على الطريق الوحيد المؤدي إلى الشطر الموالي للمعارضة في المدينة. وردّاً على ذلك؛ قصفتها المعارضة بكثافة. وكان الهجوم بصاروخ «تاو» تصعيداً كبيراً. وأعلنت الوحدات أنها أخطرت الولاياتالمتحدة بما حدث وأن هذا السلاح قُدِّمَ للمعارضين بموجب برنامج يحظى بدعم أمريكي. بدورها؛ تحذِّر المعارضة من إكساب النزاع بُعداً عرقيّاً يغذيه نزوح العرب بسبب ما يشنه الأكراد من هجمات. ونفى مسؤولون أكراد على الدوام اتهامات بتنفيذ تطهير عرقي في مناطق مثل تل رفعت التي سيطرت عليها الوحدات في فبراير الماضي. ولاحظ المرصد السوري لحقوق الإنسان أن من عاد من العرب إلى تل رفعت عددٌ قليل. لكنه عزا ذلك إلى الخوف «لا إلى سياسة من جانب وحدات حماية الشعب لمنعهم من العودة». ورأى رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، صالح مسلم، أن تنويع القوات في منبج أظهر عدم وجود مشكلة عربية- كردية. لكن المسؤول في إحدى جماعات الجيش الحر في حلب، زكريا ملاحفجي، كشف عن تحذيره المسؤولين الأمريكيين من «الاعتقاد الساذج» بأن وحدات حماية الشعب ستتنازل عن السيطرة على ما يتم الاستيلاء عليه من مناطق من «داعش». ونبَّه قائلاً «الناس تشعر أنه يوجد تنسيق كبير بين النظام ووحدات حماية الشعب، وهذا سيُولِّد حساسيات، وتلك المناطق لم تستقر». وحول مستجدات معركة منبج؛ أبلغ مرصد حقوق الإنسان عن اشتباكٍ أمس داخل المدينة بين تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» ومسلحي «داعش». والاشتباك هو الأول من نوعه منذ فرضَ التحالف حصاراً على منبج التي يتحصن المتطرفون فيها قرب الحدود مع تركيا. وتحدث المرصد عن اشتباكاتٍ عنيفة دارت في الأجزاء الغربية من المدينة بعدما تمكَّن التحالف الكردي- العربي من «التقدم والسيطرة على المنطقة الواقعة بين دواري الكتاب والشريعة على بعد كيلومترين تقريباً من منطقة الوسط». وعلَّق المسؤول في التحالف الدولي ضد الإرهاب، الميجور جنرال البريطاني دوج شالمرز، بأن القتال يقع على حدود المدينة وفي ضواحيها. وصرَّح بقوله «التقارير التي لديّ تقول إنهم على الحدود وفي الضواحي ببعض المناطق التي أصفها بأنها الجزء الخارجي من المدينة لا المدينة نفسها». وبدأ الهجوم أواخر الشهر الماضي بدعم من القوات الأمريكية الخاصة لطرد التنظيم الإرهابي من آخر معقلٍ له على الحدود السورية- التركية. ونجاح الحملة قد يقطع طريق اتصال التنظيم بالعالم الخارجي، ما سيمهد لمهاجمته في الرقة معقله الرئيس في سوريا. وتقع منبج على بعد نحو 40 كيلومتراً من الحدود التركية. ومنذ بدء الهجوم؛ سيطرت «قوات سوريا الديمقراطية» على عشرات القرى والمزارع حول المدينة، لكنها لم تقتحمها نظراً لوجود آلاف المدنيين المُحاصَرين داخلها. سياسيّاً؛ أعلن المبعوث الأممي الخاص بسوريا، ستافان دي ميستورا، أن فرص عقد جولة جديدة من محادثات السلام ستكون أوضح بعدما يناقش مجلس الأمن الدولي الخيارات المختلفة في ال 29 من يونيو الجاري. وأوضح دي ميستورا أنه كان برفقة الأمين العام للأمم المتحدة، بان جي مون، خلال زيارةٍ الأسبوع الماضي إلى سان بطرسبرج حيث عقدا «اجتماعاً شاملاً وطويلاً» مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته، سيرجي لافروف، تركَّز في معظمه على الأزمة السورية. وانهارت الجولة الأخيرة من المحادثات بين حكومة الأسد والمعارضة في نهاية إبريل مع تصعيد النظام هجومه في حلب. وأخبر دي ميستورا الصحفيين أمس في جنيف بسعيه إلى تحديد موعد لجولة جديدة من المحادثات «للوفاء بموعد أغسطس المُحدَّد للتوصل إلى اتفاق سياسي نهائي». لكنه أفصح عن رغبته في إحراز واشنطنوموسكو قدراً كبيراً من التقدم بشأن إجراء الانتقال السياسي في دمشق. ورغم تعليق المفاوضات بشأن الانتقال؛ تواصلت محادثاتٌ على مستوى أقل بشأن بعض القضايا التي تحتاج إلى حل في أي اتفاق. وعقد فريق دي ميستورا محادثات فنية في موسكو والقاهرة ويخطط للمزيد في الرياضودمشق. ووصف المبعوث هذه اللقاءات ب «مفيدة للغاية حتى الآن». وقال عن المشاركين فيها «إنهم يتسمون بالسرية والهدوء والتحفظ لكنهم يزودوننا بكثير من النقاط الجوهرية التي يمكن أن تكون وستكون مفيدة عندما تُعقَد الجولة المقبلة من المفاوضات». على صعيد الإغاثة؛ أقرَّ مستشار المبعوث للشؤون الإنسانية، يان إيجلاند، بأن الأممالمتحدة لا تزال تطلب من حكومة الأسد الإذن لدخول منطقتي عربين وزملكا الواقعتين في ريف دمشق تحت حصار قوات النظام. وتطلَّع إيجلاند إلى الوصول للبلدتين الأسبوع المقبل. وحذَّر من أن 4 بلداتٍ مُدرجةٍ في اتفاقٍ محلي للسلام، وبينها الزبداني ومضايا، لم تصلها مواد غذائية منذ إبريل. في الوقت نفسه؛ لاحظ إيجلاند أن اتفاقاً لنقل إمدادات إلى منطقة الواعر في حمص «يسير بشكل سيئ». ويحاصر النظام مضايا والزبداني والواعر ومناطق أخرى، ما يحرم السكان من الحصول على المواد الغذائية والأدوية.