تميل النفس إلى أدب اللطائف لما يمتاز به هذا النوع من الكلام من قدرة اجتذاب، تصنعها مجموعة من التقنيات اللغوية، التي تمتد عبر أفق واسع من «التخيُّل»، واستعمال المفارقة بصفتهما من أهم أدوات هذا الشكل الأدبي في تراثياته التي تحتوي عليها مجموعة واسعة ومتنوعة من الإصدارات والكتابات منذ أن كان كثيرٌ منها مخطوطاً إلى أن تحوَّل إلى منتجٍ مطبوعٍ. وحسب طبيعة اللطائف، أو اللطيفة، فإنها تستمد إمكاناتها من خلال تمكُّنها من الولوج إلى الذائقة الإنسانية في غالب التراث الحضاري لأغلب الأمم. وليس التفاعل والانشداد للتناقل الشفاهي، أو الكتابي لهذا النوع، الذي صار مع إمكانات الحياة المعاصرة يأخذ أشكالاً بصرية، أكثر قدرة على صناعة الفعل الجاذب، والتفاعل القادر على التموُّج، والانتقال بين مستويات الذائقة الأدبية دون تكلف ومن غير تعقيد. وحين تواصل شهرزاد، مسلسل حكاياتها، تخصِّص مساحة واسعة في سردياتها للحديث عن بعض صنائع نوعٍ من أطباء هذا الزمن، الذي بتنا معه في حيرة في اختيار الشكل الأدبي المناسب لوصف الحال الذي باغتتنا فيه مباضِع بعض الجراحين من ذوي مهنة الطبابة اسماً، ولعلنا نحتاج إلى مَنْ يتوسع في توصيف حجم الأخطاء الطبية التي صار كثيرون منا يقرأها بصفتها مؤشراً سلبياً يطال معايير الجودة والنوعية، وينتهك حقوق المريض، الذي وضعت له وزارة الصحة وثيقة اسمها «وثيقة حقوق ومسؤوليات المرضى» مع أن سجلات الوزارة المنشورة في موقعها الإلكتروني لا توفر أي أرقام، أو نسب تكشف عن مدى اطلاع المرضى، ومعرفتهم بتلك الوثيقة، أو حجم تطبيق موادها التي تحتاج إلى تحديثات مستمرة «Up to Date»، وحرص على تطبيقها، وجدية في تنفيذ محتواها. وأن ينسى طبيب مقصَّاً داخل أحشاء مريض، ألجأته الظروف الصحية الصعبة إلى أن يقع في مشكلة، وهو الباحث عن معالج لها، ومداوٍ لآلامها، فهذا حال مؤلم، وصفه بحجم ألم ذاك المريض الذي لم يحفظ الطبيب حقوقه إلى درجة لم يتذكر أنه نسي مقص جراحته داخل بطنه إلا بعد أن قطَّع الألم الحاد جوف المريض المسكين، الذي ائتمن طبيبه، بينما كان حاله كما يقول الشاعر: «كالمستجير من الرمضاء بالنار». في مفارقة أريد لتفاصيلها أن تتشكل بصفتها منتجَ ألمٍ تهديه رعونة الأداء للفريق الطبي الذي أخذ منه السرحان مأخذاً، أو انتابه التسرُّع المتوقع، الذي يأمل حتماً القارئ غير المختص أن يتحدث عنه الأطباء الكُتَّاب سواء من الزملاء في «الشرق»، أو في وسائل الإعلام الأخرى، لعلهم يوصفون العوامل التي تسبِّب مثل هذه الأخطاء الطبية الكبيرة مع أن الجميع ينتظر توضيحات تفصيلية من متحدث رسمي حول مثل هذا الاختلال في الخدمات العلاجية. ومع استمرار مسلسل الأخطاء الطبية حتماً يتساءل الجميع بنبرة موجعة، قائلين: مَنْ المسؤول عن توفير بيئة علاجية، يندر فيها الخطأ الطبي، إن لم يمتنع ممتنعاً، فالأخطاء الطبية هي في كل مستوياتها قاتلة، ومَنْ يستخف بحياة إنسان لن يكون جديراً بمهنة إنسانية مثل الطبابة؟! إننا كما نحتاج إلى مستشفى لا يعتذر لمريض بسبب عدم توفر سرير شاغر فيه، كذلك في حاجة مماثلة إلى كفاءات طبية بحجم بلادنا حفظها الله.