لم يترك الناشط الأردني الشاب محمد السنيد فرصة لأية حكومة للراحة منذ انطلاق احتجاجات عمال المياومة (العاملون بالأجر اليومي في المؤسسات الحكومية) منذ عام 2006، حيث نظم مع زملائه عدداً كبيراً من الاعتصامات، إما في المحافظات خارج عمّان، وإما أمام مقر الحكومة ووزارة الزراعة. وكسرت مجموعة «السنيد» خطاً أحمر في الأردن عندما نفذت قبل أعوام أول اعتصام في تاريخ الأردن أمام الديوان الملكي، إلى ذلك كان السنيد مشاركاً أساسياً في الاحتجاجات المطلبية والمعيشية التي شهدتها منطقته، ذيبان، وهي إحدى أكثر مناطق الأردن فقراً وتهميشاً، وبالتالي احتجاجاً. وطيلة أعوام كان «السنيد» أشبه بأيقونة للاحتجاجات الشعبية ولمطالب الفقراء، حيث التقته كبرى الصحف والمحطات الفضائية العالمية، خصوصاً وأنه يمثل الجيل الشاب غير المرتبط بأحزاب تقليدية، إضافةً لامتلاكه أسلوباً خطابياً شعبياً بسيطاً يجد قبولاً واسعاً. وفي الفترة الأخيرة، تراجع تأثير «السنيد» نسبياً مع تكاثر لجان الحراك الشعبي، ومع وقوع مواجهات بينه وبين الحركة الإسلامية في الأردن، إلا أنه ما يزال أحد الأرقام الصعبة في الحراك الشعبي الأردني، وليس فقط في ذيبان. «الشرق» التقت «السنيد» في بلدته الفقيرة، مليح، في منزله المتواضع الذي يقطنه مع أطفاله وزوجته في ظروف معيشية صعبة، وتالياً نص المقابلة: * كيف انعكست تجربة عمال «المياومة» على مجمل الحراك المطلبي والسياسي في الأردن؟ - تجربة عمال المياومة في العمل النضالي المطلبي بدأت في مايو 2006 في أول اعتصام أمام وزارة الزراعة للمطالبة بتحسين أوضاعهم، حينها تأسست لجنة عمال المياومة في المؤسسات الحكومية التي خاضت تجربة نضالية فريدة في وقت حرج لم يكن فيه أية حركات، وكانت كسراً لحاجز الخوف في ذلك الوقت، وبعد تنظيم أكثر من خمسين اعتصاما وإضرابا في خمس سنوات استطاع العمال انتزاع معظم حقوقهم بطريقة جديدة وناجعة بعيدا عن طرق تقليدية مثل الواسطة والمحسوبية التي تعود عليها الشعب، نجاحنا في تحقيق مطالبنا جعل الكثير من الفئات الاجتماعية تبدأ بالتحرر من القيود التي كبلت بها لسنوات خاصة في القطاع العام الذي كان من المحرمات أن يطالب بحقه، وخير دليل على ذلك حراك المعلمين الذي نجح نجاحا كبيرا، وأيضا المتقاعدون العسكريون حيث انخرطوا في العمل الاجتماعي المطلبي والسياسي، وأسست هذه الحركات لإطلاق الحراك في الأردن عام 2011، وبعد هذا النجاح انضمت الأحزاب السياسية والنقابات المهنية رغم ترددها في البداية. * كنتم أول من اعتصم أمام الديوان الملكي قبل عدة أعوام، كيف تصف تلك الخطوة؟ - نعم اعتصمنا كعمال مياومة في المؤسسات الحكومية ولأول مرة يحدث ذلك بسبب تجاهل الحكومة لمطالبنا، وتم اعتقالي في المرة الأولى من أمام الديوان وفض الاعتصام بالقوة، وفي المرة الثانية عدنا عندما تم فصل العمال إلى الديوان ونصبنا خيامنا وبتنا هناك رغم البرد الشديد، في اليوم التالي أذعنت حكومة الرفاعي لمطالب العمال، وهذه الخطوة كانت من أجرأ الخطوات التصعيدية ولم يسبقنا إليها أحد. * بعد أكثر من عام على الحراك الشعبي في الأردن، كيف ترى الحراك اليوم؟ - الحراك اليوم يبدو أكثر حرصا وتنبها رغم حالة المد والجزر التي تحصل في كثير من الأحيان من عدد المشاركين، لكني متفائل لخطوات أكثر تنظيما، خاصة أن الحراك مستمر ويتعامل ويتمتع بنفس طويل وهذا تكتيك جيد لكي لا يتم استغلال اندفاع البعض لتشويهه، وهذا ما يريده أعداء الحراك والفاسدون، يريدون تصويرنا على أننا نعرض سلامة الوطن للخطر، وهذا غير صحيح لأننا نتبع الطرق السلمية والحضارية في التعبير عن رأينا ولم نستخدم العنف، والفاسدون هم من عرضوا الوطن للخطر وذلك ببيع مقدرات الوطن والخصخصة التي أدت إلى ارتفاع ديون الأردن وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، هم يريدون منا أن نصمت وهم يبيعون الوطن بالقطعة والجملة ويتناوبون في المناصب ويتوارثونها، وبالتالي هم من عرّضوا الأردن للمخاطر بسياساتهم العقيمة ونهجهم الاقتصادي والسياسي. * علاقتك مع الحركة الإسلامية متوترة وهناك هجوم متبادل، ما الأسباب؟ - توتر علاقتي مع الإسلاميين بعد تصريحاتهم الإعلامية التي ادعوا فيها بأنهم يقودون الحراك، والحراك كما تعلم بدأ ونشط في مناطق الجنوب التي لا تتمتع الحركة الإسلامية بها بنفوذ أو وجود كبير، وكانت تصريحاتهم أثرت سلبا على الحراك في المناطق العشائرية؛ حيث أصبح الأهالي يتهموننا بتهمة سيطرة الإسلاميين علينا، أدى ذلك إلى تراجع الحراك وعلى الفور قمنا بحملة إعلامية وضحنا بها أنه لا علاقة لنا بالحركة الإسلامية ونفينا تصريحات القيادي في الحركة زكي بن أرشيد، وعاد الحراك إلى عافيته، إلا أن الحركة الإسلامية بدأت بترويج حملات تشكيك فينا هي نفسها التي تطلقها الأجهزة الأمنية وبعض المستشارين في الديوان الملكي، وكتب أحد قياديي الحركة الإسلامية رحيل الغرايبة مقالا يتهمني فيه بأنني تعينت بوظيفة براتب مرتفع جدا لإسكاتي من قبل الحكومة وكان ذلك على موقع الجزيرة نت، وتم سحب الخبر بعد ربع ساعة من قبل إدارة الموقع لعدم صحته، وجوهر خلافي معهم يتمثل في عدم قدرتهم على التعامل مع أبناء العشائر؛ إذ اعتمدوا على عدد قليل منهم، كما أنهم لا يراعون طبيعة مطالب أبناء العشائر والمحافظات الذين يقدمون مطلب الحفاظ على الأردن وهويته فوق كل المطالب. * يتهمك البعض بأنك تحالفت مع الحكومة وتراجعت عن خطك الإصلاحي، ما ردك؟ -لم أتحالف مع أي حكومة لكني أثني على أي خطوة حكومية تجاه الإصلاح، ونحن نحكم على أي حكومة من خلال نهجها وليس ضمن أهواء شخصية والإصلاح عملية تراكمية، والمطالبة به لن تتوقف عند حكومة أو شخص، وبالمناسبة أنا غير راضٍ عن أداء حكومة الخصاونة فهو كسابقيه بل أسوأ تحديدا في موضوع الهيكلة وقلبه لفلسفتها؛ بحيث وسع الفارق بين الفقراء والأغنياء، ورفعه للأسعار رغم الظروف التي يمر بها المواطنون وازدياد الفقر ومعدلات البطالة، هذا إلى جانب اختلافنا معه سياسيا وبموضوع الانتقاء في محاسبة الفاسدين وخشيته من بعض الأشخاص النافذين، وأعتقد بأنه لا يصلح لهذه المرحلة وأثبت فشله. * ما أشكال المضايقات التي تعرضت لها؟ - تعرضت للاعتقال مرات عديدة بسبب المعركة النضالية التي خضتها وزملائي مع الفاسدين والمتنفذين،إلا أن ذلك لم يزدنا إلا إصرارا على مطالبنا الشرعية، حوكمت أمام محكمة أمن الدولة بتهمة التجمهر غير المشروع وقدح الوزراء ورئيس الوزراء، وتهمة مقاومة رجال الأمن، إذ إن الشعارات التي كنت أرددها وزملائي كانت بنظرهم قدح لحكومة سمير الرفاعي التي فصلت 256 عاملا من وزارة الزراعة للتخفيف من العجز كما ادعت، وكأن هؤلاء العمال هم سبب المديونية، أمضيت عشرة أيام في السجن ودخلت من أول يوم في إضراب عن الطعام احتجاجا على اعتقالي غيرالمبرر والظالم، كانوا يعتقدون أن ذلك سيجعلنا نستسلم لقراراتهم وظلمهم، لكننا علمناهم درسا قاسيا ضد سياساتهم، وقمعهم لم يعد يفيد، ونظم زملائي العمال أثناء ذلك اعتصامات للمطالبة بإطلاق سراحي وأصدرت العديد من منظمات حقوق الإنسان تقارير تطالب الحكومة بالإفراج عني، ومنها منظمة هيومن رايتس وفرونت لاين والمرصد العمالي التونسي والنقابات العراقية والنقابات في مصر ونقابيين من أنحاء العالم، وظللت في إضرابي إلى أن خرجت، وتم الحكم عليّ بثلاثة أشهر سجنا من قبل محكمة أمن الدولة، وقمت بتمييز الحكم فحصلت على براءة بعد ذلك. * كيف تفسر خطوة اعتقالك؟ - كان اعتقالي رسالة لتخويف العمال من المطالبة بحقوقهم، ولكي لا تكون هذه الطريقة هي طريقة انتزاع الحقوق لكنهم فشلوا وأصبحت الآن تكاد تكون الطريقة الأسرع لتحقيق المطالب العمالية والشعبية، وأنا مرتاح وأشعر بالاعتزاز والفخر بأننا وضعنا اللبنة الأولى لحرية أكثر فضاء لمجتمعنا التواق إلى رفع الظلم والاستبداد والعدالة. * تعكف حالياً على إنشاء حزب جديد مع عدد من النشطاء، ما هو تعليقك على ذلك؟ - نعم التقيت بعدد من الأشخاص الناشطين في الحراك وتحدثنا بذلك كثيرا ووصلنا إلى نتيجة بضرورة أن يكون هناك حزب جديد يعنى بهموم الفقراء ويحمي الأردن من الفاسدين وينشر الوعي الحزبي وخاصة في المناطق البعيدة عن عمان. * ما المطالب الإصلاحية التي تنادي بها الآن؟ - الإصلاحات التي ينادي بها الشعب الأردني هي ذاتها مطالبنا وأهمها مكافحة الفساد، واستعادة الأموال المنهوبة، وإصلاحات تضمن عدم وصول الفاسدين إلى السلطة، وإطلاق حرية التعبير دون قيود قمعية والعدالة الاجتماعية التي غيبها المتنفذون. * ما توقعاتك لمسار الإصلاح في الأردن؟ هل تتوقع تطورات إيجابية أم تدهوراً في الأوضاع الأمنية وسير الأمور نحو الصدام؟ - أعتقد بأن الإصلاح يصطدم بعقبة كبيرة، هم الفاسدون الذين لا يرغبون في تغيير الواقع خوفا على مصالحهم ونفوذهم وثروتهم لكني أتمنى أن يتغلب الشرفاء والوطن عليهم دون الحاجة إلى الصدام وهذا لا يقرره الحراك بل تقرره السلطة السياسية، وعليها أن تختار الطريق الذي تحبذه للتغيير نحو الأفضل. محمد السنيد في منزله المتواضع في ذيبان (الشرق)