تحدثوا معي عن الأفلام والأغاني، عن الأفكار والعقول، عن الديانات والمعتقدات، عن أي أمر إلا أخبار الناس، والحديث عنهم وعن تفاصيلهم. من المفترض أن يتعلم الناس في المدارس «ربما»، وابتداءً من المرحلة الابتدائية، عدم التدخل في شؤون الناس عبر مادة تسمَّى «وأنا ما شأني؟» توضع ضمن المناهج، ويكون الاختبار فيها عبارة عن ممارسات منها: «هذه ماذا ترتدي، هذا بماذا يفكر…»، وتكون الإجابة الصحيحة: وأنا ما شأني؟! ومن الضروري فهم هذا الجملة، وتكرارها ستين مرة قبل النوم ضمن منهج يومي للنجاح في هذه المادة. الجنة والخلود فيها والوصول إلى الكمال جميعها مشاريع «فردية»، تعود فائدتها على الإنسان نفسه، ليس لها أي علاقة بأحد آخر، بمعنى «التهي بحالك». الوقت الذي تستغرقه في الحديث عن عيوب الآخرين استبدله بالبحث عن عيوبك أنت، وحاول أن تحاربها وتتخلص منها. لقد ابتلانا الله في هذا الزمن ببعض الناس الذين يعتقدون أن التدخل في شؤون الآخرين وحرياتهم الفردية ومعتقداتهم هو حق من حقوقهم، وواجب من واجباتهم. وكم كنت أتمنى أن أمنحهم حرية التصرف بأنفسهم، وأمنحهم ثقافة عدم التدخل في حياة الآخرين، وكما قال رسول الله: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه». أرجو من هؤلاء الناس أن يحاولوا الامتناع عن التدخل فيما لا يعنيهم من شؤون الآخرين، فذلك من نصف الآداب والأخلاق التي يجب أن يتحلى بها الإنسان. المضحك المبكي أن هناك فئة تطلق على تطفلها وما تفعله مسمَّى يريحها نفسياً وهو «النصيحة»، ولو عدنا إلى أصل ما يفعلون، سنجد بأنهم يعانون من مشكلات وعقد نفسية ونقص حاد في شخصياتهم، وما تدخلهم سوى حالة تفريغ لأزماتهم وأمراضهم الشخصية، ويجب أن يهجروا هذه الصفة السيئة، وجميع الظواهر السلبية التي تتلبَّسهم، ومَن يخطو الخطوة الأولى في ذلك، سيضع الحجر الأول في بناء مجتمع يهتم في أموره ويترك الآخرين بحالهم.