بعد أسابيع قليلة من إعلان سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤية التحول الوطني 2030 لمستقبل المملكة العربية السعودية، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في بداية هذا الأسبوع عدداً من الأوامر الملكية، التي اعتُبرت من أهم الخطوات الجادة والحاسمة لإعادة هيكلة جهاز مجلس الوزراء هيكلة شاملة، وذلك في خطوة مهمة للقضاء على المعوقات البيروقراطية التي لا تتفق مع مرونة الرؤية للوصول إلى أهدافها. جاء في نص البيان الذي صدر عن الديوان الملكي، أن هذه التغييرات، وإعادة الهيكلة الشاملة لأجهزة للحكومة، تأتي انطلاقاً من حرص خادم الحرمين الشريفين على استمرار مسيرة التنمية والتطوير التي دأبت عليها الدولة منذ توحيدها على يد مؤسسها، في إطار استراتيجية متكاملة، ووفق خطط مدروسة، بدأت أولى ثمراتها بإعادة هيكلة أجهزة مجلس الوزراء، وإلغاء عدد من المجالس والهيئات واللجان، وإيجاد مجلسين أساسيين أحدهما للشؤون السياسية والأمنية، والآخر للشؤون الاقتصادية والتنمية، وذلك من منطلق التطوير المستمر بما ينسجم مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وهيكلة الوزارات وأجهزة الدولة والهيئات العامة بما يتوافق مع متطلبات هذه المرحلة، التي بدأت هذا العام في 25 إبريل بالإعلان عن رؤية التحول الوطني، التي تستمر 15 عاماً، تشرق بعدها على المملكة شمس حضارة، تنتقل فيها البلاد إلى مستقبل أكثر إشراقاً ونمواً في مختلف المجالات من خلال رؤية تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط، والتخلص من "إدمانه"، وجذب الاستثمارات الخارجية، وتعزيز إيرادات الدولة غير النفطية من خلال إنشاء أكبر صندوق سيادي استثماري في العالم. وإذا ما قرأنا التغييرات وإعادة الهيكلة الشاملة لأجهزة الدولة، فسنجد أن الهدف من وراء تلك التغييرات الجذرية، هو التخلص من البيروقراطية الإدارية، وضياع الجهود في إجراءات تأخذ وقتاً طويلاً لتنفيذ ما يجب اتخاذه من قرارات، وذلك لتعدد الأجهزة والهيئات التي لها علاقة بما يجب اتخاذه من إجراءات وتنظيمات. ولعل من أهم ما استرعى انتباهنا جميعاً واستحوذ عليه، هو التركيز على الترفيه والثقافة والرياضة، وهي جوانب أساسية في إشراقات الرؤية وأهدافها، لذلك شملت الأوامر الملكية الأخيرة إنشاء هيئات عامة للترفيه والثقافة والرياضة، ذلك لأن أي مشروع حيوي بَنَّاء لابد أن يعتمد على الثقافة بصفتها عنصراً مهماً لبناء الإنسان وسمو غاياته، والترفيه للترويح والإحساس بالسعادة لمزيد من العطاء والتعايش السلمي، والرياضة التي هي متنفس للناس، ومن أجل عقل واعٍ وسليم. وإذا ما أخذنا في الاعتبار جانب الثقافة، وهو الأهم، فإن الأمل ألا يكون الهدف من هذه الهيئة فقط تأسيس مزيد من المراكز الثقافية، ورفع مستوى أداء الأندية الأدبية، وتكريس مزيد من الجهود لعطاءاتها، وما يخدم الحركة الثقافية، وإن كان ذلك جانباً مهماً يجب ألا نغفل عنه، إلا أن الأهم هو العمل على وضع استراتيجية ثقافية، نعبِّر من خلالها عن هوية المملكة وهوية مثقفيها، ونبني مشروعاً ثقافياً يحقق كل الطموحات، ويقضي على كل المفاهيم الخاطئة والرؤى المريضة التي تحجب عنا "شموس الحضارات". وإذا كنا معنيين في رؤيتنا المستقبلية بجلب كثير من الاستثمارات ومزيد من المشاريع التنموية والانفتاح الاقتصادي، فإن الاستثمار في عقل الإنسان وتعليمه وتثقيفه والترفيه عنه، يعد من أهم الاستثمارات التي يُؤخذ بها في كل رؤية مستقبلية طموحة.