تبدو الانتخابات الرئاسية في فرنسا، المقرَّرة العام المقبل، مفتوحةً على كل الاحتمالات، مع تراجع فرص إعادة انتخاب الرئيس، فرانسوا هولاند، وتطلُّع سلفه، نيكولا ساركوزي، إلى العودة للحكم. وفي حين تندُر الوجوه الجديدة القادرة على خوض السباق بقوة؛ يسعى الناخبون إلى التغيير. وتُعزَى ضبابية الصورة بدرجةٍ كبيرة إلى رفض الرأي العام للاشتراكي هولاند واليميني ساركوزي. وأظهرت كافة استطلاعات الرأي رفض خوض نزالٍ جديدٍ بين الرئيسين السابق والحالي كما حصل في 2012. وشعبية هولاند في أدنى مستوياتها؛ لذا يبدو اليسار مهدَّداً بتكرار سيناريو 2002 عندما خسِر أمام اليمين المتطرف من الدورة الأولى. في حين تبدو زعيمة الجبهة الوطنية المتطرفة، مارين لوبن، مؤهلةً لخوض الدورة الثانية من السباق الرئاسي المقبل. وتراجعت شعبية الرئيس بسبب حصيلته الاقتصادية الضعيفة مع مستوى قياسي من البطالة تجاوز 10%. وفي حين لا يُشكِّك الخبراء في رغبته في الترشح؛ فإن الشكوك تحيط بقدرته على القيام بذلك. وعلَّق خبير العلوم السياسية في معهد أودوكسا، غايل سليمان، قائلاً «الناخبون لا يريدونه أن يترشح، لقد فقد ثقة الناس، عندما يقول إن الأمور تتحسن، حتى وإن كانت لديه عناصر يمكن الاستناد إليها، لا يُصدِّقُه أحد». و»لم يكن أي مرشح لولاية جديدة في مثل هذا الوضع قبل سنة من الانتخابات»، بحسب إيمانويل ريفيار من معهد «تي إن إس سوفر» لاستطلاعات الرأي. وتوقع استطلاعان خسارة هولاند من الدورة الأولى في حال قرر خوض السباق، على أن يحصل في أحسن الأحوال على 15% من الأصوات متخلفاً بكثير عن مارين لوبن ومرشح اليمين أياً كان. وبعد الهجوم الشديد على الرئاسة من معسكر اليمين؛ انتقل الاحتجاج على سياساتها إلى أوساط اليسار بعد اتخاذ قرارات ليبرالية في 2014 ثم تغليب الطابع الأمني بعد اعتداءات باريس في نوفمبر 2015. وفي الأشهر الماضية؛ اضطر هولاند إلى التراجع عن عددٍ من التعديلات القانونية المهمة. ويقول إيمانويل ريفيار «لم يتحمل المسؤولية عن سياساته فخلَّف شعوراً بالغدر لدى البعض وبالريبة لدى آخرين». ساركوزي ليس أفضل حالاً لكن الوضع ليس أفضل حالاً بالنسبة لرئيس حزب الجمهوريين اليميني، ساركوزي. وجاءت نتائج الاستطلاعات متدنية بالنسبة لفوزه بترشيح حزبه في الانتخابات التمهيدية في نوفمبر المقبل؛ إذ يتقدم عليه رئيس الوزراء الأسبق، آلان جوبيه، خلف الأربعيني الطموح، برونو لو مير، ورئيس الوزراء الأسبق، فرنسوا فيون. ولا يُتوقَّع أن يقدِّم ساركوزي قبل الصيف طلب ترشيحه لانتخابات الحزب، في حين سيقرر الرئيس في نهاية السنة إن كان سيترشح لولاية ثانية. وفي حال قرر هولاند عدم الترشح؛ يبدو وزير الاقتصاد، إيمانويل ماكرون، الذي شكل حركته الخاصة ويقدم نفسه بوصفه الأقدر على «الخوض في المحرَّمات» والأوفر حظاً لتمثيل اليسار متقدماً على رئيس الوزراء، مانويل فالس، وفق استطلاعات الرأي. وباتت المنافسة أكثر حدة بين ماكرون وفالس منذ أسابيع. وسيعاني كلاهما من صعوبة تجاوز أداء هولاند وعداء معسكر اليسار لنزعتهما الليبرالية على طريقة رئيس وزراء بريطانيا السابق، العمَّالي توني بلير. ووفقاً لريفيار؛ لا يحظى أي منهما بالأفضلية بين أنصار اليسار. ويعكس بروز ماكرون (38 عاماً) التعطش إلى التغيير في رأي الخبراء. ويلاحظ غايل سليمان سعي الناخبين إلى التغيير «وهذا ما يفسر نجاح وزير الاقتصاد». ويبرُز برونو لو مير بوصفه مجسِّداً للقيم ذاتها ولكن في معسكر اليمين. ولو مير إحدى الشخصيات التي حققت أكبر قدر من التقدم منذ بداية السنة. لكن سليمان لا يرى في الرجلين سوى «دخيلين حظوظهما ضعيفة». أما آلان جوبيه (70 عاماً) فيوصف بأنه وجه جديد رغم ترؤسه الحكومة بين عامي 1995 و1997 في عهد الرئيس، جاك شيراك. ويصف ريفيار جوبيه ب «ابن النظام»، مستدركاً «لكنه لا يعطي الانطباع بأنه يتبع أحكامه، هو مشهود له بخبرته، ويُمثِّل ما يشبه الإمبراطور الروماني سنسيناتوس الذي انسحب من الحياة العامة ثم عاد لخدمة وطنه عندما طُلِبَ منه ذلك».