أثرتْ صحيفةُ «الشَّرق» كغيرها من الصحف قرَّاءَها عن زيارة خادم الحرمين الشَّريفين ملك العزم والحزم الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – للشقيقة جمهوريَّة مصر العربيَّة بمقالاتٍ استعرضتْ تاريخ العلاقات السعوديَّة المصريَّة فطرحتْ تطلُّعات الشَّعبين الشقيقين، وحلَّقتْ بهم بآفاقٍ وتوجُّهات مستقبليَّة، جاء بعضُها في جزأين في يومين متتالين، ومن هنا بدتْ لي بقراءاتي لمقالات الزُّملاء في صحيفة «الشرق» ومن خلال متابعاتي لتغطية الزِّيارة إعلاميّاً فكرةُ مقالةٍ عن الزِّيارة الملكيَّة التي استغرقت خمسةَ أيَّام أتناول فيها نتائجَ الزِّيارة ورسائلها السياسيَّة والإعلاميَّة. لن أزعمَ في مقالتي هذه بأنِّي قادرٌ على رصد كلِّ نتائج الزِّيارة ورسائلها، لكنِّي سأكتب في ذلك مركِّزاً على ما يعكسُ أهدافَ هذه الزِّيارة في ظلِّ الظُّروف القائمة في المنطقة العربيَّة وفي إقليم الشَّرق الأوسط من صراعاتٍ ومؤتمراتٍ وتحالفاتٍ وتجاذباتٍ سياسيَّة وإعلاميَّة آملاً أن أقدِّمَ طرحاً فكريّاً ورصداً موضوعيّاً أكثر من كونه تحليلاتٍ سياسيَّة وإعلاميَّة، وأن أشاركَ صحيفةَ «الشَّرق» توجُّهاتِها ورؤاها ومساراتِها الوطنيَّةَ والعربيَّةَ؛ لذلك سأوجزُ نتائجَها في الأبرز منها: * أنجزتْ الزِّيارةُ الملكيَّة للشقيقة مصر توقيعَ ستٍّ وثلاثين اتفاقيَّة ومذكِّرة تفاهم بين الجانبين السعوديِّ والمصريِّ باعتبارها مبادراتٍ تنمويَّةً تتمثَّل بتنمية البنية التحتيَّة بإنشاء جسر بين الدولتين سُمِّي بجسر الملك سلمان يُسْهِمُ في تيسير نقل الحجَّاج والمعتمرين والسيَّاح والعمالة والخامات المعدنيَّة والمنتجات الصناعيَّة والزراعيَّة والبضائع من صادرات وواردات بين طرفيه تعزِّزها منطقة تجارة حرَّة في شمال سيناء. * حفزتْ الزِّيارةُ الملكيَّة للشقيقةِ مصرَ من خلال اتِّفاقيَّاتها وتفاهماتها الاستثماراتِ السعوديَّةَ للتوسُّع في مصر في مجالاتٍ تجاريَّة وصناعيَّة وزراعيَّة وأكاديميَّة مركَّزة في شبه جزيرة سيناء بهدف تنميتها اقتصاديّاً واجتماعيّاً وبنيةً تحتيَّة لمعالجة البطالة بين سكَّانها باستيعاب مؤهَّليهم وعمالتها رجالاً ونساءً وظيفيّاً وعمليّاً؛ لتكونَ من عوامل توطيد أمنها واستقرارها؛ ممَّا سيؤثِّر إيجاباً في مواجهة الإرهاب والفكر المتطرِّف فيها. * أثمرتْ الزِّيارةُ الملكيَّة للشقيقةِ مصرَ حلّاً لخلافات قديمة على الحدود في المياه الإقليميَّة بين السعوديَّة ومصر فأنتجتْ اعترافَ مصر بأنَّ جزيرتي تيران وصنافير سعوديَّتان فرُسِّمتْ الحدودُ البحريَّة بين مصر والسعوديَّة ووُقِّعِتْ اتِّفاقيَّتُها. * حقَّقتْ الزِّيارةُ الملكيَّة للشقيقةِ مصرَ تقارباً سعوديّاً مصريّاً في وجهات النظر وتفاهماً حيال قضايا الأمَّة العربيَّة والقضايا الإقليميَّة ستفضي -بمشيئة الله تعالى- لحلولٍ حكيمة ولنجاحاتٍ حازمةٍ قادمة. تلك أبرز النتائج المهمَّة للزِّيارةِ الملكيَّة لكلا الشَّعبين والدولتين، ولكن في الوقتِ ذاته تفوقها أهميَّةً رسائلُ سياسيَّة وإعلاميَّة بعثتها الزِّيارةُ الملكيَّة للشقيقةِ مصرَ يمكن استقراؤها فالتَّأكيد عليها بالآتي: * رسالتُها للعالم وللدول الإقليميَّة وللدول العظمى مفادها أنَّ السُّعوديَّة والشَّقيقة مصر دولتان فاعلتان في الوطن العربيِّ وفي إقليم الشَّرق الأوسط وفي التَّحالف العربيّ وفي التَّحالف الإسلاميِّ، وأنَّ ما أثير إعلاميّاً من خلافاتٍ بينهما فيما يخصُّ أزمتي اليمن وسوريّا لا يستدعي تخوُّفاتٍ تجرُّ لخلافات حول الأهداف وفي الغايات فيما بينهما، وبهذه الرسالة ستُخْرَسُ الأبواق الإقليميَّة والعالميَّة الناعقة بذلك. * رسالتُها لإيران ولأمريكا ولروسيا وللدول الأوروبيَّة مفادها أنَّ العرب قادرون على حماية مصالحهم وأراضيهم وخدمة قضايا أمَّتهم وإفشال مخطَّط الشرق الأوسط الجديد ومؤامراتِه دون الاتِّكاء على دولة عظمى تحرِّكهم في مدارات سياساتها وخططها ومصالحها وأطماعها ونفوذها السياسيِّ والعسكريِّ والاقتصاديِّ. * رسالتُها إلى هيئة الأمم المتَّحدة مفادها أنَّ العرب بقيادة السعوديَّة ومؤازرة مصر قياديّاً ستحقِّقان نتائج في السِّلم العالميِّ وفي محاربة الإرهاب ومواجهة الفكر المتطرِّف تنظيماتٍ ودولٍ مارقةٍ وراعية لهما، في الوقت الذي لم يستطع مجلس الأمن تنفيذ قراراتِه وتحقيق أهدافه في السلم العالميِّ في إقليم الشَّرق الأوسط. * رسالتُها للجامعة العربيَّة بأنَّ المملكة العربيَّة السعوديَّة بقيادة خادم الحرمين الشريفين ملك العزم والحزم الملك سلمان بن عبدالعزيز تصرُّ على تفعيل دور الجامعة العربيَّة وتعمل على ذلك بتدشين قوَّة عربيَّة مشتركة تحتَ مظلَّتها للدفاع عن الدول العربيَّة ولحمايتها من أعدائها ولردعهم. * رسالتُها لإسرائيل ولحلفائِها مفادها أنَّ الأمَّة العربيَّة تنظر إلى قضيَّة فلسطين باعتبارها قضيَّتها الأولى وأنَّ زمن الخنوع بتأثير الهيمنة الأمريكيَّة ولَّى، وأنَّ تحرير المقدَّسات والأراضي الفلسطينيَّة هدفٌ عربيٌّ إسلاميٌّ سيتحقَّق مستقبلا، وأنَّ إسرائيل المستندة على الخلاف السعوديِّ المصريِّ على جزيرتي تيران وصنافير باعتباره حائلاً دون تحالفهما عسكريّاً أمسى من الماضي فطويتْ صفحتُه. * رسالتُها بالاعتدال وبالوسطيَّة وبالتَّسامح وبالموضوعيَّة لشعب مصر وللعالم الإسلاميِّ وللعالم وللآخر المختلف المنطلقةُ من خلال زيارته -حفظه الله- للأزهر الشَّريف، ولبابا الكنيسة القبطيَّة، وللبرلمان المصريِّ، ولجامعة القاهرة. * رسالتُها لجماعة الإخوان المسلمين ولتنظيمها العالميِّ مفادها أن المملكة العربيَّة السعوديَّة بقيادة خادم الحرمين الشريفين ملك العزم والحزم الملك سلمان بن عبدالعزيز ما زالتْ تقف الموقفَ ذاته من دعم شقيقتها مصر ولن تتخلَّى عنها يوماً ما ليعيثَ تنظيم الإخوان المسلمين فساداً في أمنها واستقرارها وليعيقها عن أدوارها العربيَّة والإسلاميَّة.