أعلن متحدِّثٌ باسم المعارضة السورية استعدادها للمشاركة في هيئة حكمٍ انتقالي تضمُّ أعضاءً حاليين من حكومة بشار الأسد «لكن ليس الأسد نفسه»، في وقتٍ شنَّ النظام هجوماً جديداً شماليّ حلب. واعتبر سالم المسلط، وهو متحدِّثٌ باسم الهيئة العليا للمفاوضات المُعبِّرة عن المعارضة، أن «هناك عديدا من الأشخاص على الجانب الآخر الذين يمكن التعامل معهم». وأكد، في تصريحاتٍ أمس الخميس من جنيف في ثاني أيام الجولة الجديدة من محادثات السلام، أن «العليا للمفاوضات» لن تعترض طالما لن يرسلوا مجرمين تورَّطوا في قتل المواطنين. وكشف عن استعداد الهيئة لشغل أقلِّ من نصف مقاعد هيئة الحكم الانتقالي (25% على سبيل المثال) ما دام ذلك سيرضى المواطنين ويساعد في التوصل إلى تسوية سياسية. ووفقاً له؛ فإن الحكم الانتقالي يُفترَض أن يدعو لاحقاً إلى مؤتمر وطني يُشكِّل بدوره لجنة دستورية. وكان المبعوث والوسيط الأممي، ستافان دي ميستورا، قال إن الانتقال السياسي سيكون محور الجولة الحالية من المحادثات التي تسعى إلى إنهاء 5 سنوات من الحرب أودت بحياة ربع مليون نسمة. وجاء في قرارٍ سابقٍ للأمم المتحدة أن هيئة الحكم الانتقالي ستتمتع بسلطات تنفيذية كاملة. ورأى المسلط أن التوصل إلى اتفاق في الجولة الحالية ممكن إذا مارست روسيا ضغوطاً على حكومة دمشق وإذا كان وفد الأخيرة جاداً في التفاوض. وتتمسك «العليا للمفاوضات» بإبعاد الأسد عن أي حكم انتقالي. وتحدث المسلط عن «مجالٍ للتفاوض بشأن كيفية رحيل رأس النظام»، وقال «من أجل التوصل إلى حل يساعد فعلاً على إنهاء معاناة سوريا؛ يمكن للنظام أن يقترح ما يريد بالنسبة للأسد وأن يكون ذلك محل نقاش». وشدد «يمكن بحث كل شيء على طاولة الأممالمتحدة، والهيئة العليا للمفاوضات مستعدة لمناقشة هذه الأمور». وفي شأن السجناء؛ أفصح المسلط عن إعداد «العليا للمفاوضات» قوائم تضم 150 ألف شخص محتجزين لدى الحكومة وبينهم نساء وأطفال. ولفت في الوقت نفسه إلى حُسن معاملة المعارضة لمقاتلي الطرف الآخر المحتجزين لديها. وأكد «ما أن تتحقق خطوة إيجابية فسيكون ممكناً الحديث مع الفصائل المعارضة وإطلاق سراح أي شخص في حوزتها»، متحدثاً عن نقاش بين الفصائل عن توحيد الصفوف لمواجهة المتشددين فور التوصل إلى حل سياسي «فجميع السوريين سيكون بمقدورهم التوحد وراء جيش واحد سواءً كانوا مع الأسد أو ضده، وحين يغيب الأسد سيكون للبلاد جيش واحد يضم جميع الأطياف». ميدانياً؛ أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بشنّ جيش النظام أمس هجوماً جديداً عنيفاً على مناطق إلى الشمال من حلب «وهو ما يهدد بقطع الطرق إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في المدينة» الواقعة شمالاً. وذكر رئيس المكتب السياسي ل «الجبهة الشامية»، عبدالله عثمان، أن التصعيد بدأ خلال ليل الأربعاء- الخميس وأن المنطقة على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية، مبيِّناً «إذا تقدَّم النظام فإن هذا سيعزِّز سيطرته على المدينة». ولم يرد ذكرٌ للهجوم في وسائل الإعلام الحكومية. وفي إفادةٍ له؛ شرح مدير مرصد حقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، أن النظام حاول التقدم والسيطرة على بعض أجزاء من منطقة مخيم حندرات ذي الأهمية الاستراتيجية «إذ يمكن منها منع أي مقاتل من المعارضة من الخروج من حلب أو دخولها». إلى ذلك؛ نسبت وكالة الأنباء الفرنسية إلى مصادرها القول إن تنظيم «داعش» الإرهابي حقق تقدماً على حساب الفصائل المعارضة للنظام في محافظة حلب؛ حيث تدور معارك على أكثر من جبهة «ما من شأنه أن يشكل ضغطاً على المفاوضات غير المباشرة الجارية في جنيف بين المعارضة والنظام». ومنذ بداية الشهر الجاري؛ تخوض فصائل مقاتلة، بينها «فيلق الشام»، معارك ضد «داعش» في القرى المحاذية للحدود التركية في ريف حلب الشمالي والشمالي الغربي. ووصف رامي عبدالرحمن الاشتباكات ب «العنيفة» بين الفصائل المقاتلة والتنظيم الإرهابي «بعد تقدم الأخير وسيطرته على 6 قرى بالقرب من الحدود التركية أهمها قرية حوار كلس». وكانت الفصائل انتزعت عدداً من القرى والبلدات من التنظيم بداية الشهر، لكنه تمكن من استعادتها وأهمها بلدة الراعي التي فيها أبرز معابره في اتجاه الأراضي التركية. وتنفِّذ طائرات حربية، رجح عبدالرحمن تبعيتها للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، غاراتٍ ضد مواقع التنظيم في منطقة الاشتباكات. يأتي ذلك غداة تأكيد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أن «داعش» بات في وضع دفاعي «ونحن في وضع هجومي» في سورياوالعراق. واستدلَّ أوباما، في كلمةٍ بعد اجتماعٍ مع مستشاريه للأمن القومي، بعدم إنجاز التنظيم الإرهابي عملية ناجحة واحدة منذ الصيف الماضي. واعتبر أن الطريقة الوحيدة لتدمير التنظيم هي إنهاء الحرب في سوريا. وكان وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لو دريان، تنبأ أيضا خلال زيارة هذا الأسبوع إلى العراق بقرب انتهاء التنظيم. وتقود واشنطن تحالفاً دولياً ينفذ حملة ضربات جوية ضد «داعش» و»جبهة النصرة» في سوريا و»داعش» في العراق منذ صيف 2014. وتستثني هدنةٌ أُقرَّت في الأراضي السورية في نهاية فبراير الماضي التنظيمَين الإرهابيَّين. لكن محافظة حلب تشهد اشتباكات بين أطرافٍ مختلفةٍ على جبهاتٍ عدَّة «ما من شأنه تهديد الهدنة الهشَّة المعمول بها»، بحسب الوكالة الفرنسية. وفضلاً عن معارك حندرات والقرى الحدودية؛ تدور اشتباكاتٌ في مركز المحافظة بين فصائل مقاتلة بعضها متطرف ومقاتلين أكراد، وذلك في محيط حي الشيخ مقصود ذي الغالبية الكردية. وفي ريف حلب الجنوبي؛ تسعى قوات النظام منذ أسابيع إلى استعادة بلدة العيس الاستراتيجية المطلَّة على طريق دمشق- حلب الدولي من «جبهة النصرة» وفصائل أخرى متحالفة معها. وأحصى المرصد الأربعاء مقتل 100 عنصر من قوات النظام وجهاديين ومقاتلين من الفصائل خلال 4 أيام في معارك الريف الجنوبي. ويتزامن التصعيد مع جولة المفاوضات غير المباشرة الجديدة. والتقى الوسيط الأممي دي ميستورا الأربعاء والخميس وفد الهيئة العليا للمفاوضات ووفد معارضةٍ مقبولةٍ لدى حكومة دمشق، فيما يصل وفد الأسد اليوم إلى جنيف. وأعرب دي ميستورا عن قلقه إزاء انتهاك اتفاق وقف الأعمال القتالية. وأعلن رئيس وفد المعارضة، أسعد الزعبي، أن البحث مع الوسيط تناول مسألة الهدنة «التي لم تعرف طريقاً للاستقرار نتيجة انتهاكات النظام المتعمدة والمتكررة لها». وكانت الوساطة الأممية وزَّعت في ختام جولة المحادثات غير المباشرة الماضية، التي انتهت في ال 24 من مارس الماضي، ورقةً بعنوان «نقاط التوافق بين طرفي النزاع لما يمكن أن يكون عليه مستقبل سوريا». ومن المفترض أن يعقد دي ميستورا لقاءً اليوم مع وفد النظام. ولا يزال مستقبل الأسد نقطة الخلاف الرئيسة بين طرفي النزاع، إذ تصر المعارضة على رحيله بمجرد بدء المرحلة الانتقالية، فيما يعتبر الطرف المقابل أن هذا الملف ليس موضع نقاش. وبالتزامُن؛ بدأ مسؤولون انتخابيون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام فرز أصوات ناخبين في اقتراعٍ تشريعي لا يحظى بأي قبول دولي. واعتبرت المعارضة والدول الغربية هذه الانتخابات التي أُجرِيَت الأربعاء فاقدة للشرعية وصورية. فيما أصرَّت حكومة دمشق على إجراء الاقتراع، وهو الرأي الذي دافع عنه حلفاؤها في روسيا. وفي ظل النظام الرئاسي المطبَّق في سوريا؛ لا يملك البرلمان المؤلَّف من 250 نائباً سلطة حقيقية.