حدثتني صاحبتي حانقة على بعض التغييرات التي تسببت في إرباكها، فقلت لها «ابتسمي أرجوك ابتسمي». نظرت إليَّ بغضب قائلة: هل الابتسامة ستصلح الفوضى التي سببها ذاك التغيير؟! نعم، إن الابتسامة هي انعكاس الشعور، وطاقة نبثها في غيرنا لتخترقه تلقائياً، فنُحسن التواصل معه. عزيزي الإنسان: في كل أمورك ما عليك إلا أن تهدِّئ من روعك مبتدئاً «بابتسامة الرضا» لتطلق عضلات روحك المتشنجة، بعدها ستتهيأ للتعاطي مع المعطيات دون أن تتعرض إلى ضرر أو خسارة، فهي بطاقة مرور نحو الآخر عبرها ينفتح لك قلبه وعقله، ويهبُّ لمساعدتك، فهي ليست مجرد «افترارة ثغر»، وإنما تعبيرٌ عن عاطفة، يتشارك معها كامل الجسد والروح. تتميز بأنها صادقة ناقلة لذات الشعور، فعندما لا يصاحبها الرضا تخرج لتعبر عن شيء آخر مثل: السخرية، أو الامتعاض.. كالإنسان المتلوِّن لا يمكن أن ترسم شفتاه سوى ابتسامة صفراء، تنطوي على المكر والخديعة، والإنسان الضعيف أو المريض لا تظهر ابتسامته إلا كزهرة ذابلة، كما قال جبران.. وثمة ابتسامة معتدة بنفسها، تُفقد العدو لذة الانتصار! أما الطفل والكهل فتجمعهما ابتسامة، تنمُّ عن صفاء السريرة والود، وقد كنى الأدباء والشعراء عن الابتسامة بالفجر، والصباح، والربيع، والطفولة، وكل الأشياء الجميلة، فما أجمل أن تنفرج شفتانا عن ضحكة بلا صوت تنير الوجه، وتُسعد الرائي كقدوتنا محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي أغلب ضحكه تبسمٌ. ولأنها جزء من العاطفة فبينها وبين التنشئة الاجتماعية علاقة، فالأمريكي لا يمانع في التعبير فردياً عن فرحه، بينما يعبر الياباني عنه من خلال مشاركة الآخر معه في الفرح، كما ورد في كتاب التعبير عن العواطف، لذا فالسياق الاجتماعي والثقافي والديني يتصل بمفهوم الابتسامة والغضب، فبعض المناطق وأصحاب المراكز يرون في التجهم صفة للقوة والهيبة، وفي التبسم تعبيراً عن السفه، وعدم الوقار! نسوا أن العرب مدحت طلاقة المحيا، والإسلام جعلها جزءاً من العبادة، بل نظم لنا التعبير عن العواطف جلَّها بطريقة راقية حيث لا يوجد قمع للمشاعر، بل ثناء وأجر على مَنْ تحكم فيها فليس الشديد بالصرعة.. «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس». نعم، الإسلام دعا إلى التبسم بقانون أجر الصدقات التي تتنامى الواحدة بعشر أمثالها، فتهطل غيمة التواصل الإنساني، ونحيا بحب.