في مشهد درامي متأزم يقول الزوج لزوجته: «ابتسمي يا عزيزتي.. « فترد عليه قائلة: « أذكر لي سببا واحدا فقط يبعث على الابتسام»! (لم تكن الزوجة حزينة بل غاضبة، وهنالك فرق بين الغضب والحزن. الغضب بحر هائج، أما الحزن فبركة راكدة). يرد الزوج، وعلى طريقة إيليا أبو ماضي، قائلا: «يكفي أنك مازلت تتنفسين»! والسؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن عند سماع تلك الإجابة هو: هل يكفي أن يكون المرء حيَّا لكي يبتهج؟ قد تكون تلك الإجابة مقنعة لمن يرى أنه لا ييأس مع الحياة، ولم يصل إلى قناعة شبيهة بتلك التي تلخصها العبارة القائلة: «ينمو التفاؤل ويعشش في مستشفى الأمراض العقلية»! أو لمن لم يراوده شعور بعبثية العيش. ربما تمنيت يوما أن تحذو حذو ذلك الزوج المتفائل، فتنظر إلى النصف المليء من الكأس. عقدت صلحا مع العالم، وابتسمت كصباح ربيعي لكن الواقع خذلك. نظرتَ حولك فوجدتَ نفسك محاطا بثوان من الغبار والدوار في لحظة شبيهة بشوكة ناشبة في الحلق، عندئذ عدتَ إلى داخلك محبطا منكسرا بعد أن صادر الواقع الابتسامة من شفتيك. ربما انتابك شعور بأن الآخرين يأكلون الحصرمَ وأنت تضرس، فلم تعثر على كلمات أنيقة تليق بتفاؤل إيليا أبو ماضي وهو يقول: «قالَ السماء كئيبةٌ وتجهّما.. قلتُ: ابتسمْ يكفي التجهم في السَّما!» ربما انتابتك رغبة في أن تعترض على إيليا فتتساءل: كيف يمكن تحقيق ذلك حين يكون القلب مثقلا والنفس مفازة موحشة، هل تتوقع أن نزيف الألوان من أجل لهفة عينيك، وأن نرقّص الأبجديةَ من أجل سوادهما؟ دلنا أيها الشاعر الحكيم على تلك الوصفة السحرية التي تبعث ابتسامة الياسمين الذابل على بوابات الظمأ، وتعيد إليه نضارته وحيويته. دلّنا عليها لنحتفل معا بميلاد تفاؤلك المبجل! إن التجهم بكل مشتقاته موجود على الأرض يا عمنا المتفائل، ونراه يوميا على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد، وفوق الأرصفة، وعند عتبات البيوت، وفي غرف النوم، وأنت تدعونا إلى لحظة مفعمة بالآمال. من أين لك كل ذلك الفرح في لحظة يتوارى فيها التفاؤل أمام صلابة أو شراسة الواقع، فتبدو وكأنك مُسجّى على دكة الانتظار؟ أليس هذا هو ما دعا الشاعر صلاح عبد الصبور إلى الاعتذار عن عدم قدرته على صناعة الفرح فقال: «معذرة يا صحبتي، قلبي حزين.. من أين آتي بالكلام الفرح»! وبعد: سوف أعتذر للقراء المرحين عن إيقاع هذه التداعيات، لكن على طريقة صلاح عبد الصبور أيضا فأقول: «معذرة يا صحبتي، لم تثمر الأشجار هذا العام فجئتكم بأردأِ الطعام / ولست باخلاً، وإنما فقيرةٌ خزائني / مقفرة حقول حنطتي..». هي حالة عابرة على أية حال، فما زلت مقتنعا بقول إيليا أبو ماضي: «قلتُ: ابتسمْ مادام بينكَ والردى.. شبرٌ، فإنَّك بعْدُ لن تتبسَّما»! ومع أن الاقتناع شيء والقدرة على تجسيده شيء آخر، إلا أنني لن أقول: «أعطني سببا واحدا فقط يبعث على الفرح» فهنالك أكثر من سبب يدعو إليه، ذلك أن للحلم بقية تقاوم تجهم وصلابة الواقع. [email protected]