تسعى حكومة الوفاق الليبية إلى تثبيت مواقعها، في وقتٍ يسود هدوءٌ وترقُّب في طرابلس بعد توتُّر تخلَّله إطلاق نار لم تُحدَّد ظروفه. ووصل رئيس الوزراء الجديد، فايز السراج، إلى العاصمة مساء أمس الأول قادماً من تونس على متن قارب مع عددٍ من أعضاء حكومته المدعومة من الأممالمتحدة. وأمضى السراج ليلة الأربعاء – الخميس في القاعدة البحرية؛ حيث استقبله كبار ضباطها، بحسب ما أفاد أحد مستشاريه. وتمركزت آلياتٌ للشرطة ومجموعة من القوات الخاصة عند مداخل القاعدة لحمايتها. ويحظى السراج منذ وصوله بدعم مجموعة مسلحة رئيسة تعُرَف باسم «النواصي» وتتمتع بقدرة تسليحية عالية، وهي تتبع وزارة الداخلية في حكومة طرابلس غير المعترف بها. وبدا واضحاً أن قسماً من الأجهزة التابعة لهذه الحكومة يدعم الحكومة الجديدة. وذكر مصدر مطَّلِع، طالباً عدم نشر اسمه، أن «ردود الفعل جيدة مقارنة بتوقعاتنا، فالوضع على ما يرام». وفتحت المحلات التجارية أبوابها في ساعة مبكرة من صباح أمس، وانتشر أفرادٌ من شرطة المرور في أنحاء متفرقة من العاصمة ينظِّمون حركة السير التي بدت خفيفةً مقارنةً بأيام أخرى. وازدحمت بعض مقاهي شارع قرقارش الراقي بالزبائن. وفي حين فتحت معظم المدارس أبوابها؛ فضلت أخرى عدم استقبال الطلاب. واصطف العشرات أمام المصارف، لكنها بقِيَت مغلقة. وفي مطار معيتيقة في المدينة؛ توقفت حركة الملاحة منذ مساء أمس الأول؛ إذ أعلنت شركات الطيران تحويل رحلاتها إلى مطار مصراتة «نظراً للأوضاع الأمنية». وكان مسؤولون في حكومة وبرلمان طرابلس، غير المعترف بهما دولياً، طالبوا السراج بمغادرة المدينة. وترافق وصوله الذي لقِيَ ترحيباً دولياً مع إطلاق نار لم تُحدَّد ظروفه. لكن هدوءاً وترقباً سادا لاحقاً. وعلَّق مواطن ليبي يُدعى جمال بالقول «الوضع يبدو أنه على ما يرام، لكننا في حالة من التأهب خوفاً من تدهور الأوضاع». وبعد إيصاله ابنته إلى إحدى المدارس؛ توجَّه جمال إلى مقهى لملاقاة أصدقائه. وكان مساء الأربعاء شهِدَ توتراً أمنياً حاداً. وسُمِعَ إطلاق نار وأصوات قذائف في أرجاءٍ متفرِّقةٍ من العاصمة مع بداية المساء، من دون أن تتضح الصورة حولها، قبل أن يعُمَّ الهدوء. ولم يخرق الهدوء سوى اقتحام مجموعة مسلحة مقر قناة «النبأ» القريبة من الحكومة غير المعترف بها وطرد موظفيها وتوقيف بثها. وكانت القناة بثت بياناً متلفزاً لرئيس الحكومة غير المعترف بها، خليفة الغويل، دعا فيه السراج إلى مغادرة المدينة، واصفا إياه ب «المتسلل غير الشرعي». ويخشى سكانٌ أن يؤدي دخول الحكومة المدعومة أممياً مدينتهم إلى مواجهات بين المجوعات المسلحة. ووُلِدَت حكومة الوفاق الوطني بموجب اتفاق سلام وُقِّع في ديسمبر الماضي برعاية الأممالمتحدة. واختار المجلس الرئاسي المنبثق عن الاتفاق ذاته التشكيلة الوزارية. وينص الاتفاق على أن تبدأ هذه الحكومة عملها مع نيلها ثقة البرلمان المعترف به في شرق البلاد. لكن المجلس الرئاسي أعلن في ال 12 مارس المنصرم انطلاق أعمال الوزراء استناداً إلى بيان تأييد وقَّعه 100 نائب من أصل 198. ونالت حكومة الوفاق اعتراف المجتمع الدولي لتحلَّ محل الحكومة التي استقرت في طبرق (شرق) وكانت تحظى باعتراف. ودفع المجتمع الدولي في اتجاه تشكيل حكومة جديدة واعداً بدعمها ومُعلِّقاً عليها آمالاً للوقوف في وجه تمدُّد تنظيم «داعش» الإرهابي.