عندما يشاهد الزائر للمحامل والمراكب الخشبية التي صنعها حرفيون خليجيون في عرض البحر حول الواجهة البحرية التي تحتضن النسخة الرابعة لمهرجان الساحل الشرقي، يستشعر ما تجسده تلك المراكب من حكايات للإنسان الخليجي الذي ركب البحر دون أن يرهبه تلاطم الأمواج، باحثاً عن رزقه. وحيث ترسو أمام الواجهة البحرية أنواع السفن الخشبية التي صُنعت محلياً قبل أكثر من سبعين عاماً، يقف الزائر عيسى آل نافع البالغ من العمر نحو 72 عاماً وهو يستذكر أيام الغوص والإبحار وقد ضعف سمعه بسبب الغوص المستمر في أعماق الخليج بحثاً عن اللؤلؤ. ويقول آل نافع إن حرفة «القلافة» وهي صناعة السفن وحرفة الغوص والصيد وما يتعلق به، هي الحرف الرئيسة التي كانت سائدة قبل ثورة النفط، وكانت محفورة في صدور من عاشوا في تلك الأيام، وسواعد الرجال قد تغيّر لونها بسبب أشعة الشمس الحارة، وهي تعمل بلا تعب في أصعب الظروف. وأضاف أن مهنة القلاف من المهن التي أصبحت نادرة جداً؛ وذلك لاعتماد الصيادين حالياً على قوارب المصنوعة من «الفايبر»، بينما كانت هذه المهنة مزدهرة في السابق ولا يخلوا شواطئ البحر أو ما يعرف في السابق ب»السيف» من وجود مراكب تحت الإنشاء والجميع يتابع بناؤها. أما القلاف إبراهيم سلمان عجلان «مشارك من البحرين»، فيقول إن مهنة صناعة السفن الكبيرة تتم بواسطة استخدام خشب الساج الذي يتم استيراده من الهند وهو مكلف مادياً إلا أنه قوي ويتحمل ويُعمر طويلاً، مشيراً إلى أن القلاّفين في البحرين لم يتبق منهم إلا أربعة أشخاص لا يزالون يمارسون المهنة، وهم من أشهر القلافين في الخليج. ويشير إلى أن تكلفة السفن الخشبية حالياً تبلغ 400 ألف ريال تقريباً، لافتاً إلى أن أصل هذه المهنة جاءت من النيبال، حسب ما ذكره الأجداد. إلى ذلك، يؤكد القلاف سلمان العبدالله «من البحرين» أن بلاده هي الأفضل في صناعة السفن، مستدلاً بأنها لا تزال مستمرة في البحرين، مبيناً أن صناعة المركب الواحد تستمر على حسب حجمها، وفي الغالب تمتد صناعتها إلى نحو ستة شهور، وأضاف «الأحجام تختلف حسب النوع، منها البوم وهي ذات حجم كبير ويبلغ طولها نحو ستين متراً، وبقية السفن مثل الجالبوت والبتيل والسمبوك والشوعي متقاربة الأحجام». ويشير القلاف محمد بن عيسى العلي «من جزيرة دارين»، إلى أن مهنة القلافة اندثرت في المنطقة الشرقية ولا يوجد بها من يصنع السفن الكبيرة، وإنما هناك من يعمل في صيانتها إذا تعطلت أو أصابها ثقوب، مبيناً أن صناعة قوارب «الفايبر» أصبحت هي السائدة.