إن الله سبحانه وتعالى حينما شرع هذا الدين الحنيف لم يُشرّعه إلاّ ِلحكمة أرادها عزّ وجل، فهو دين الخير والسعادة في الدنيا والآخرة لمن وفقه الله وهداهُ إليه، جاءت آية التعدد في القرآن الكريم (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورُباع فإن خِفتُم ألاّ تعدِلوا فواحدة.. الآية). وهذا يدل على أن التعدد هو الأصل وأن الواحدة هي نكاح من لا يقوى على التعدد، وذلك استناداً لقوله تعالى (فإن خفتم الاّ تعدلوا فواحدة)، فهناك أشخاص لا يقوون على التعدد وذلك لعدة أسباب، منها رغبته في استقرار بيته وخوفه من ردة فعل زوجته الأولى ورغبته في استقرار بيته وأولاده وحفاظاً على حياته الاجتماعية، أو عدم المقدرة المالية أو الجسدية، فهنالك الأمر في سعة ينكح واحدة. على مرّ قُرون طويلة لم تُثر قضية عدد الزوجات أية إشكاليات في المُجتمع المسلم بل على العكس كان يُنظر إليها على أنها حل ناجح ومُؤثر في علاج كثير من المشكلات الاجتماعية التي استعصى حلها على كثير من المفكرين والباحثين، وهنا تكمن عظمة التشريع الإسلامي فهو تشريع من لدُن حكيم عليم، ديننا الحنيف وقائي يهتم بغلق منافذ المشكلة قبل احتمالية وقوعها، لا ينتظر حتى تحدث بوادرها أو يُعاني منها المجتمع بأفراده ومؤسساته إنما يشرع في توجيه المجتمع بكل عناصره إلى الحلول الجذرية الوقائية التي تمنع الشرّ من الوقوع من حيث الأصل. إن سُنة تعدد الزوجات، كما جاءت بنصّ الآية في مُحكم التنزيل، فيها كثير من الحِكم الإلهية الله عزّ وجل أعلم بها. عندما لم يُرزق الزوج بذرية من زوجته لأسباب صحية (عُقم) أو أي مُعضلة أُخرى وقبل ذلك عدم مشيئة المولى سُبحانه وتعالى، ورغبته في أن يرزقه الله من زوجة ثانية سنّ له الشرع القويم بأُخرى في أن يتزوج لعلّ المولى يجعل له نصيبا من الذرية. قضية العنوسة التي مَلأت البيوت، تأخر سن الزواج وعضُل النساء إذا استفحلت فإنها تُؤدي لا قدّر الله إلى نشر الفواحش والعلاقات غير المشروعة بين عناصر المجتمع، التعدد بإذن الله له نصيب من هذه الحلول، فإذا عُولجت هذه القضايا بشكل مُستفيض قبل نُشوبها من الأساس فإنها ستندثر مع الوقت بإذن الله ولن يكون لها أي وجود. لنعلم حق العِلم أن هناك ضوابط شرعية لمن يرغب التعدد كفل الإسلام حقوق كل الأطراف ولا تكون لكل أحد، فمن الرجال غير مؤهل لذلك، إمّا لضُعف إدارته لشؤون بيته وتصبح الأمور أكثر تعقيداً، أو قِلة ذات يده، أو وجود ظروف وأسباب أخرى لا تؤهله للتعدد مثل جوره وظُلمه.. لِذا فلابُدّ عند التعدد من إدراك شُروطه حتى لا يجلب الإنسان لنفسه ولا لغيره المصائب وبالتالي يُشوه هذه الشريعة الغرّاء. شروط التعدد: الشرط الأول القدرة المالية والجنسية وتشمل أيضاً الطعام والشراب والكسوة والمسكن أو ما يلزم من أثاث يُناسب المرأة وحسب مقدرته وهذا متروك للعُرف والعادة. الشرط الثاني: العدل بين الزوجات وقد ذكرتها الآية الكريمة (فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة). والعدل المطلوب هو ما كان مُستطاعاً عليه مقدوراً على تحقيقه، وهذا العدل بينهُن في المأكل والمشرب والملبس والمسكن كما أسلفنا، المبيت والمعاملة الحسنة، أمّا مالا يُستطاع كالميل القلبي وما يتبعه، فلا يُلزم العدل فيه لقوله صلى الله عليه وسلم (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلُمني فيما تملك ولا أملك) رواه أبو داود والترمذي، ومن فرّط في هذا الشرط فإنه على خطر عظيم وعُقوبته شديدة يوم القيامة، يوم الحساب. إن التعدد شريعة محسومة لا نملك أمامها إلا التسليم والرِضا، لأن هذا تشريع من رب السماوات والأرض وإن خالفت هوى بعض الأنفُس، وهذا لا ينبغي أن يكون أبداً، فالله تبارك وتعالى أعرف لِما هو صالح لِعباده المُتقين، وقد جاءت الآية الكريمة بقوله عزّ وجل (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيّرة من أمرهم).