في التاريخ الأوروبي استمر عصر الحروب الدينية قرابة 131عاما، حيث خاضت فرنسا 8 موجات متتالية بين البروتستانت والكاثوليك، والحرب الأهلية في إسبانيا قتل فيها 6485 رجل دين و360 ألف ضحية، ودمر الجيش السويدي في ألمانيا 2000 قلعة و18 ألف قرية و500 مدينة وخسرت أكثر من ثلث عدد سكانها، وذلك في حرب الثلاثين عاما بين 1618 و 1648م كما جاء ذلك في موسوعة «قصة الحضارة». ومما جاء في صلح أوغسبورغ على إنهاء العنف القائم في ألمانيا، أن يختار الأمراء الألمان -وهم 225 أميرا- ديانة ممالكهم كل حسب اعتقاده (إما لوثرية أو كاثوليكية)، إلا أن عديداً من المشكلات ظلت بلا حل، وقد سمح الأباطرة – لتفادي الحرب الأهلية – بالتعددية الدينية في مناطق حكمهم دون إكراه، مما أدى إلى سخط الداعين إلى التوحد الديني – وهم الكاثوليك غالبا – وفي الوقت ذاته حاولت السويد والدنمارك اللوثريتان دعم البروتستانت في الإمبراطورية الرومانية، طمعا في مكاسب سياسية واقتصادية، وقد اندلعت بسبب ذلك مواجهات دينية عنيفة في مدينة دوناوفورت الألمانية. هذه الحروب ذات أمد طويل وكانت خسارتها فادحة، فإسقاط عقيدة أخطر بكثير من إسقاط دولة، وكل منهم يعتقد بأنه مكلف بأمر سماوي لتطهير العقيدة، ورغم كل هذا التاريخ الدامي من العداوات والحروب الطاحنة إلاّ أن حروبهم الدينية انتهت، وبدأ مكانها العلاقات السلمية الجديدة وظهرت دعوات التسامح وتكوّن الاتحاد الأوروبي، والدول تحاول الآن أن تخلق مناخا جديدا للتعاون في مجالات الصناعة والطيران والتسليح، والآن يمكن لأي إنسان في أوروبا مقيماً كان أو مواطناً أو سائحاً أن يتنقل بين دول الاتحاد الأوروبي دون حدود أو مراكز جوازات أو نقاط تفتيش عسكرية، ويمكنه أن يتعبد وفق أي دين أو مذهب، ويقيم طقوسه بكل حرية واحترام، طبعاً ليس لأن الناس هناك منفتحون وغير عنصريين؛ بل بسبب وجود قانون يحمي الجميع ويكفل كافة الحقوق الدينية والمدنية بالتساوي والعدل. يقول المفكر الإنجليزي هربرت جورج ويلز: (إذا لم نقض على الحرب فإن الحرب ستقضي علينا).