أثبتت التجربة المريرة الماضية، أنه حين يخفق أي جهاز حكومي في تأدية مهامه على أكمل وجه، لا يتضرر أغلب أفراد المجتمع فحسب، بل يتسبب ذلك الضرر في عواقب وخيمة، تبدأ بتذمر المواطن وفقدانه الثقة؛ بسبب الفوضى العارمة التي صنعها ذلك التقصير، الذي عادة ما يتفاقم في سلسلة من الحوادث، تنتهي بعدد من الوفيات، فيتحرك وقتها الجميع، مثل الكوارث التي وقعت في السنوات القليلة الماضية، فعلى سبيل المثال حين تهاون التعليم في السلامة، أدى ذلك التقصير لاختناق وموت بعض الفتيات والمعلمات في حرائق ثكنات البنات التعليمية، وانهارت أسقف بعض الفصول على الطلاب والطالبات، وسقطت عوارض الملاعب على رؤوس الطلاب الأبرياء لتقتلهم في الحال. وحين تهاون المسؤول في الصحة، تسبب ذلك في حقن طفلة بفيروس الإيدز، وانتشار عدوى كورونا لتحصد أرواح الناس، وتحولت المستشفيات إلى بيوت للحشرات، وأصبح من يزور المستشفى يعاني من السعال يموت بسبب خطأ طبي بكل سهولة، وحين قصر المسؤول في أمانة جدة، كنا شهداء على نتائج ذلك التقصير، فرأينا كيف ابتلعت السيول أحياء وأُسراً بأكملها، في أكبر كارثة حلت في البلد، واستمر التقصير في مسلسل ابتلاع فتحات الصرف لأرواح الأبرياء. وكل ذلك بسبب التهاون في أداء الواجبات. والتقليل من خطورة إهمالها. وتقودنا تداعيات الإرهاب الأخيرة التي فتحت ثآلول التطرف الديني والفكر المنحرف إلى سؤال مهم يبحث عن إجابة شافية: أين الدور الفعلي لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في حرب الدولة المستمرة منذ سنوات على الارهاب؛ فعندما غيرت الداخلية من سياستها وكثفت رسائلها التوعوية والتحذيرية، كان ذلك لاحتواء واستيعاب التغيُّرات الخطيرة؛ لتنبه المجتمع، على وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، ولكن لم نجد في نفس الوقت أي دور «ملموس» لوزارة الشؤون الإسلامية؛ حيث كنا نتوقع أن نرى نشاطاً اقوى ومماثلاً يوازي في شفافيته نشاط الداخلية؛ للدفاع عن الحق وتصحيح المعتقدات المنحرفة التي ظل ينهل من تشددها وكراهيتها بعض الإرهابيين لسنوات، من خلال رسائل كان يبثها بعض نجوم الدعوة على فضاء الإنترنت، وربما يكون هناك نشاط للوزارة ولكن لا يستطيع الفرد العادي الشعور به أو بتأثيره، فمنذ سنتين صرح مسؤول في وزارة الشؤون الإسلامية بأن الوزارة استدعت بعض الخطباء والأئمة؛ للتحقيق معهم في بعض «التغريدات» التي أطلقوها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واحتوت تأييدا وتعاطفا مع بعض «أصحاب الفكر الضال والمتشدد». وأن التعاطف مع أصحاب هذه الأفكار يعتبر أمراً يستدعي التحقيق والمحاسبة، قد يصل لطي قيد الخطيب في حال استمر على هذا الفعل، ولكن لم نسمع ولم نقرأ أن إماماً أو خطيباً أو داعية أوقف أو مُنع من الظهور على المنابر أو عبر وسائل الإعلام، ولم توضح الوزارة آلية تلك التحقيقات ومن يشارك فيها؛ لأنه لا يصح ولا يصلح أن تكتفي كل وزارة بالتحقيق مع نفسها فقط، بل تحتاج لطرف حيادي من القانونيين أو جهة مختصة مثل الادعاء والتحقيق العام؛ فها هم بعض الخطباء لا تتم محاسبتهم حين يخالفون توجيهات الوزارة، ويتعمدون فتح المكبرات الصوتية الخارجية خارج أوقات الصلاة لساعات طويلة يصرخون فيها أثناء إلقاء الدروس والمحاضرات دون أن نعرف المغزى وراء ذلك الصراخ المبالغ فيه، وكأنه أصبح الوسيلة المثلى لتوصيل الدروس الدينية للناس. ومن الضروري أن نعرف الإجراء الذي تتخذه الوزارة، تجاه بعض خطباء الجمعة الذين حولوا خطبة الجمعة لرسائل كراهية، يُصدِرون فيها قناعاتهم ويبثون من خلالها اختلافاتهم الشخصية، دون اكتراث بأن وراءهم أطفال الحي يصلون، ويسمعون، ويتأثرون، وعندما يعودون لبيوتهم يسألون أمهاتهم. «أليس كلنا مسلمين، فلماذا ندعو على بعضنا»؟! ونحتاج أن نعرف أيضاً موقف الوزارة من تلك المخالفات التي قام بها بعض من يطلق عليهم شيوخ، ومنحوا لأنفسهم الحق في الإفتاء الطبي على القنوات الفضائية، من أجل إثبات معتقداتهم الشخصية التي لا علاقة لها بالدين ولا بالطب. ومن هذا السياق نطمح للتعرف على البرامج الجديدة والخطط التي قدمتها الوزارة؛ لجبر هذا الشرخ، ونشر مفهوم أهمية «السلام» في الإسلام بطريقة عملية؛ لأن الناس فقدت الثقة بالأقوال حين لا تطبقها الأفعال، فقد أصبحت تواجه المجتمع العربي ومجتمعنا بصفة خاصة تحديات جديدة، ينبغي أن لا نتهاون حتى في تسميتها؛ إذ لا يوجد وجع أكبر من وجع الخيانة؛ فحين يغدر إرهابي بأفراد أسرته، ويغرز بنصل تطرفه المسموم خاصرة الوطن، لا يصبح بذلك مُغرراً به، ولا يجوز نسبه للفئة الضالة الذين يتيهون فترة ويرجعون لصوابهم، بل يجعله ذلك في زمرة المجرمين والإرهابيين والقتلة الذين اختاروا إراقة دماء الأبرياء. ولا تواجهه الدولة بمفردها هذا التحدي، بل جميعنا نواجه؛ فنحن مسؤولون عن تربية أبنائنا. ووزارة الشؤون الإسلامية مسؤولة عن محاربة التطرف والغلو والتشدد، وتقع على عاتقهم مهمة إعادة الوسطية والثقة.