ونحن على بعد بضعة أيام من افتتاح موسم جديد للقراءة، معرض أو (مولد) لتسويق وترويج الكتاب، ننتظره وتنتظره الرياض. وتهد منصات التوقيع في ردهاته، فوج جديد من الرواة والساردين، وللمرأة حتما نصيب الأسد. لا أستغرب الهجمة السردية الكاسحة، لروايات المرأة في السعودية خاصة والخليجية على وجه العموم، فقد شهدت الحركة الأدبية كَمّاً هائلا من الأعمال الروائية خلال العقدين الأخيرين، بعد شح وقحط عانى منه المشهد الثقافي، كان هناك غياب تام للمرأة في الإبداع الأدبي، رغم أن سميرة خاشقجي (بنت الجزيرة)، كانت قد سجلت السبق الذي لم يكن للمبدعة الخليجية نصيب مما نالته من شهرة واحتفاء بإبداعها الذي وصل للسينما. ولأنها بنت الجزيرة لم يكن متاحا أن تكتب باسمها الصريح، فالكتابة والبوح في ذلك الوقت، ليس مسموحا، ولكننا اليوم قد نستغرب أن يكون نصيب المرأة من إنتاج الرواية والسرد بنسبة، أكبر في حصاد مجمل ما يصدر من روايات. لم يكن ظهور أسماء جديدة في مجال الرواية مفاجئا؟ بل كان متوقعا، ونحسب أنه أمر طبيعي، في ظل ما نعيشه في زمن ثقافة إبداع «السوشال ميديا» وتقنية الثقافة الجديدة، والفضاء المفتوح. معظم الروايات التي صدرت خلال عقدين من الزمن كان القاسم المشترك أو السمة المميزة له في أغلبه وأعمه، أنها كانت على قدر كبير من الجرأة والمغامرة، بتجاوز الخطوط الحمراء وكشف المستور اجتماعيا وثقافيا. حتى ما قبل انطلاقة فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب – قبل أكثر من عشرة أعوام – تصدرت روايات المرأة أجنحة دور النشر التي تسابقت في إصدار أكبر كم من سرد المرأة، ومن ثم وجدت رواجا لا نظير له بعد أن أتاحوا للمبدعين رجالا ونساءً التوقيع على رواياتهم، وقد وجدنا إقبالا لا نظير له على منصات التوقيع المخصصة للمرأة الروائية، في رأي غالبية النقاد، وأنا أميل لهذا الرأي، بلا استثناء إلا ما ندر، سرديات المرأة، في العصر السونامي الكاسح، بدءا من (بنات الرياض) لرجاء الصانع ومرورا برواية (نساء المنكر) لسمر المقرن، وانتهاءً برواية (عندما يعشق الرجال) لسارة العليوي، لا يمكننا اعتبارها غير تجارب وتمردات أنثوية. تتعمد كشف المستور، وتسليط الضوء، ببوح جريء وحوار لا تنقصه الصراحة والواقعية المؤلمة، على ما لا يظهر على السطح في المجتمع وخلف الجدران في البيوت من قضايا ومشكلات، نساء مأزومات، يستمرئ الغالبية صنع إشكالاتها ومعضلاتها في مجتمع يهمش دور المرأة! مقارنة بالماضي الذي كانت المرأة غير قادرة فيه على مجرد التعبير عن آرائها وطرح أفكارها بحرية، نجدها اليوم تأخذ الدور في التمرد على كل القيود الاجتماعية والقبلية، في مجتمع ذكوري بكل تقاليده وعاداته. لقد وجدت المرأة السعودية في كتابة الروايات الممنوعة متنفسها، والفسحة التي تفصح في مساحاتها عن أسرارها وأحلامها الصغيرة قبل الكبيرة، وتطرح بجرأة رأيها غير الموارب في قضايا الحب والزواج والجنس والخيانة، من خلال تجربة فيها كثير من الجرأة والمغامرة! رجاء الصانع كانت صاحبة أول تجربة حديثة، وما أحدثته روايتها من ضجة يطول الحديث طويل في متاهاته، ليس لأنها جاءت بعمل روائي إبداعي لافت، بل لأنها قدمت العمل الأجرأ والأكثر تغلغلا في بؤر قاع المدينة، بما فيه من علاقات جنسية وفساد أخلاقي، ومن هذا المنطلق فإن رواية (بنات الرياض) في ميزان النقد وقراءات النقاد، يختلف عليها كثيرون. ويمكننا الحكم عليها كعمل فني بذائقة القارئ الواعي. بأنه عمل ليس ملهما وليس فيه ما يبهر كما أبهرتنا أعمال روائية كثيرة لمبدعين ومبدعات في الشرق أو الغرب. كانت الروائية زينب حفني قد سبقت رجاء في كتابة نصوص قصصية صادمة بجرأة لم نألفها من نساء السرد في أدبنا بقصصها (نساء على خط الاستواء) في أوائل التسعينيات الميلادية ومن ثم رواية (الرقص على الدفوف)، وكنت أول من كتب عن مجموعتها لافتا النظر لجرأة ما كتبت في بوح غير متوقع.