تفاجئني شخصيات كثيرة في تويتر يظهر من خلال تغريداتها حبها الشديد لبعض الدعاة والقُصاص في مجتمعنا، وهذا في حد ذاته أمر جميل ومطلوب بين المسلمين من فشو المحبة بينهم، والتواصل، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر والذي يقطع الحب للدعاة فيه مسافة كبيرة لغرس تلك المعاني في قلوب محبيهم، فكل من أحببته أصغيت له سمعاً وطاعة. لكن مايبعث على الأسى أن هؤلاء المحبين يغالي بعضهم كثيراً في حبّ محبوبيهم لدرجة صم الأذن عن كل قول سيئ منهم، وإغماض العينين عن كل خطأ يصدر عنهم، مما تقتضيه طبيعة البشر؛ بل والأدهى من ذلك تعطيل عقولهم عن مجرد التفكير في سلامة أقوالهم وأُطروحاتهم عبر فيديوهاتهم أو لقاءاتهم مما ينطوي على أخطاء منفرّة. ويزداد الأمر سوءاً عندما يكون المحبوب من الوعّاظ أو القُصاص أو ممن يُعرفون في المجتمع بالدعاة إلى الله تعالى، ثم يتقربون إلى الله تعالى بالبذاءة والسب والشتم لمخالفيهم بل – ويُكرم القارئ عن ذلك – يصل الحال ببعضهم إلى تصوير «النعال» وتوجيه صورتها إلى كل من يغرد بما يخالف توجهاته على تويتر، ظناً منهم أنهم يُثخنون في عدوهم، ويغلظون عليهم نصرة لدينهم ضد كل ليبرالي أو علماني أو ملحد، ولايعلمون أنهم بهذا الفعل يسيئون إلى الدين الذي يزعمون الذود عنه، ويحملون لقب الدعوة إليه. والحق يقال: لست أدّعي الدخول في نياتهم أو أقصد الانتقاص منهم محبين أو محبوبين، لكن لابد من التنويه والتوضيح لأخطائهم التي يقع فيها كل شخص بطبيعة البشر، لاسيما عند الغضب؛ لكن نستمر في التوضيح والنصح لنا ولهم حتى لا يتحولون من محبين إلى مجرمين في حق الدعوة والدين إن استمرؤا تلك الأساليب البغيضة. لاشك أن الكل يعلم أن الدعوة إلى الله تعالى تقوم على ركائز وأسس من أهمها وأكثرها وضوحاً أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة حتى مع المخالفين ومجادلتهم بالحسنى، ومهما كان مقدار حبك أيها المحب لهذا الشخص فلا ينبغي الإساءة للدين بالدفاع عن حبك له ومكانته في قلبك، وكذلك أنت أيها المحبوب لاينبغي استغلال حب المحبوبين لك بالسكوت عن دفاعهم عنك بالبذاءة دون كفهم عن ذلك، أو اتخاذها وسيلة لك في الدعوة وأمام الملأ دون حياء أو تقدير لما تحمله من لقب «داعية». نعم إن كثيراً منهم محبون ومحبوبون؛ لكنهم مع الأسف مجرمون على أنفسهم وعلى الدعوة بتعطيل عقولهم والمساهمة في نشر بذاءاتهم تجاه محاوريهم أو مخالفيهم، لا دفاعاً عن الدين كما يُظهرون وإنما دفاعاً عن شخص هو في نظرهم – القاصر – يمثل الدين والدليل على ذلك أنهم يصرون إصراراً عجيباً على تفسير أقوال محبيهم الخاطئة وتحويرها وتغيير مفهومها، بحيث لا تشكل خطأ في نظرهم رغم وضوح الخطأ فيها وظهوره. ومع اختلاف المحبوبين وأفكارهم، وانتفاء عصمتهم، ووقوعهم بطبيعة بشريتهم في الزلل والخطأ كبيراً كان أم صغيراً يتخبط هؤلاء المتبوعون المفرطون في الحب بين هذا وذاك من البشر، فيفسّقون ويبدّعون ويكفّرون من يخالفهم ويرتضون هذا من الناس ولا يعترفون بذاك لأنه لاتنطبق عليه شروطهم التي وضعوها لمن يمثل الدين، ونسوا أو تناسوا أن الرجال يُعرفون بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال. أيها المحبون والمحبوبون إنّ الاختلاف معكم في مسائل أو قضايا، لايعني نبذ الدين أو عدم الرضا به كما تحاولون جرّ كل محاور لكم أو مخالف لمنطقكم وتوجهكم إلى تلك النقطة السوداء، حتى يشتدّ قتالكم له فكرياً ولفظياً وتكسبون بهذا تعاطف الناس معكم واشتدادهم في إيذاء مخالفيكم، فلم ولن يُوجد شخص مهما كثر محبوه يحق له ادعاء احتكار الدين والحق هو أو اتباعه. فمهلاً أيها المحبون والمحبوبون وتفكروا في وضعكم هل أنتم محبون أم مجرمون؟؟!!