يمر الإنسان بمرحلتين أساسيتين تُرسم فيهما خارطة عقله ونفسيته، يتشكل عقله اللاواعي وردات فعله الأولية وتتحدد هويته، من هو وكيف ستكون حياته! المرحلة الأولى من الولادة حتى سن خمس سنوات (وقيل سبع) وهي مرحلة التكوين. فيها يتشكل الدماغ والنفسية بناء على التربية والظروف المحيطة والمواقف والتجارب التي تواجه الطفل (بالإضافة إلى العامل الوراثي طبعا). هذه المرحلة مهمة جداً يهتم فيها المربي الواعي بطفله ويراقبه عن قرب ليحميه من أن تتولد عنده عقد نفسية أو صفات سلبية تفسد مستقبل حياته. المرحلة الثانية، مرحلة المراهقة وفيها يُعيد الدماغ تشكيل نفسه تحت ضغط التغيرات التي تعصف بالمراهق، تغيرات نفسية وفسيولوجية وكميات ضخمة من الهرمونات تُضخ في جسمه! تغييرا شاملا! احتياجات جديدة، تجارب وضغوطات من نوع مختلف تمر بالمراهق. كل هذه العوامل تتطلب عقلية ونفسية جديدة أكثر تطوراً وأكثر تعقيداً من عقلية ونفسية الطفل، لذلك يحصل التحول عند المراهق. يتجاوب الدماغ، فيشق قنوات جديدة ويهمش أخرى فتنضب، يوسع بعضها ويضيق بعضها الآخر وتتفعل مناطق جديدة كانت خاملة في الدماغ. يبدأ المراهق في البحث عن هوية وفي استكشاف أكثر جرأة للعالم المحيط، يتأثر بأصدقائه وتزداد عنده حدة الإلحاح والفضول الجنسي. في دراسة أجريت في أمريكا لتحديد الهوية الجنسية عند المراهقين شملت حوالي 35 ألف طالب من المرحلتين المتوسطة والثانوية، وجدوا أن 88.2 % من الطلاب قالوا عن أنفسهم إنهم غير شاذين جنسيا و 1.1 % قالوا إنهم شاذون و10.7 % قالوا إنهم ما زالو غير متأكدين هل هم شاذون أم لا! هذه الدراسة تثير القلق وتجعلنا نتساءل عن مصير ال10.7% غير المتأكدين؟! هل سيكبرون ليكونوا أسوياء جنسياً أم شاذين؟ هل نستطيع التدخل في هذه المرحلة بطريقة تساعدهم على أن يكبروا ليكونوا أسوياء جنسيا وتحميهم من الشذوذ؟ من المعلوم أن الشذوذ الجنسي مرفوض في مجتمعاتنا ويعرض صاحبه لمعاناة نفسية كبيرة، هذا بالإضافة إلى أن الدراسات أثبتت أن الشاذين معرضون أكثر من غيرهم للأمراض الجنسية الخطيرة وللانتحار! عند بحثي في الموضوع وجدت عددا كبيرا من الدراسات تثبت أن الإنسان قد تتغير ميوله الجنسية حسب الظروف والبيئة المحيطة. بعض المراهقين قد يجد في نفسه نوعا من الميل للجنس المماثل (شذوذ) ولكنه يختفي مع التقدم في العمر، خصوصا إذا لم يُنَمِّه بالتجربة وبممارسة الجنس الشاذ. هذا يعني أننا ربما لو تدخلنا بشكل صحيح قد ننقذ هذه الفئة المحتارة من المراهقين فلا تكون شاذة. إذا حرمنا المراهق المحتقن جنسياً من أن يختلط بالجنس الآخر ولم يكن متاحاً أمامه إلا الاختلاط مع نفس الجنس فإنه قد يجرب الشذوذ، ولربما تتحدد هويته الجنسية بهذا الشكل وفي هذه السن المبكرة والحساسة فيكبر ليصبح شاذا! أظن أن هذا ماكان وما زال يحدث في السعودية، ولكن لا أحد يريد أن يواجه الواقع ويكشف عن الجرح! الظروف التي أحطنا بها المراهقين مدمرة، وبالرغم من وضوح الخطأ لا أحد يعلق ولا يتحرك ليجد حلا لهذه المشكلة الخطيرة التي تتفاقم يوما بعد يوم! الجميع صامتون الحكومة والشعب! أفضل تشبيه سمعته لوصف هذه المأساة هو كأنما يوجد بيننا وفي وسط الساحة التي نعيش فيها (وسخ) – أكرمكم الله – والجميع يراه ويشم رائحته ولكن لا أحد يعلق وكأن كل شيء عادي ولا توجد أيّ مشكلة! إذا كانت العادات والنظام يفصل بين الجنسين من سن مبكرة وعلى فرض أننا لا نستطيع تغيير هذا النظام! على الأقل ينبغي أن يُراعي الأمهات والآباء هذه النقطة في التعامل مع أبنائهم المراهقين، كيف يكون ذلك؟!