هل من الطبيعي أن الأشياء عندما تكون رخيصة تفقد قيمتها الحقيقية؟ وهل الخدمات الرقمية المبهرة التي ما حلمنا بها يوماً فقدت دهشتها بعد أن أصبحت بين أيدينا؟ قبل سنوات تمنينا من «هؤلاء» أن يبتكروا وسيلة أسهل من البريد الإلكتروني، وأرقى من الرسائل النصية، تنقل للطرف الآخر ما نريده بالصوت والصورة بكبسة زر، فإذا السيد «واتسآب» يطل علينا بأيقونته الأنيقة، وخدماته الجليلة، التي فاقت تطلعاتنا المحدودة، وأحلامنا الكسولة نظير دولار واحد فقط في السنة. فسطع في سماء العصر نجمه، والتف حوله ملايين الناس، الذين سارعوا إلى إضافته إلى أجهزتهم الذكية من غير تردد، ولجأ بعضهم إلى استبدال جهازه العزيز على قلبه، لأنه لا يدعم تلك الإطلالة البهيَّة. كان بريق هذا الكائن ليس له مثيل، وذلك لسبب بسيط، وهو أنه حطم القاعدة التقليدية لغيره من وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، التي تشترط على مَنْ يريدها معرفة مسبقة باستخدام الإنترنت، كما لا يمكنه الولوج إلى رحابها إلا بعد مجموعة من الخطوات المعقدة، التي تسبق التمتع بخدماتها ما جعلها حكراً على فئة معينة من الناس، فجاء السيد «واتسآب» ليلغي هذه البروتوكولات، ويفتح الباب على مصراعيه لكل الناس للاستفادة من خدماته، فامتلأت جعابه بملايين المجموعات فضلاً عن مليارات المشتركين. إننا أمام خادم أمين، ينقل حمولتنا في لمح البصر دون مراجعة، أو إبداء رأي، وهنا يكمن خطر عظيم، يتربص بنا، فكل معلومة مغلوطة، أو حديث ضعيف، أو سخرية صريحة كانت أم مبطنة، أو كشف ستر، أو مدح مَنْ لا يستحق، أو قدحه، أو مثل هذا الغثاء الذي ينهال علينا «صباح مساء»، هو أمر يجبرنا على أن نقرأ ما ننوي توجيهه قراءة واعية تحسباً لما سيترتب عليه من ثواب، أو عقاب في يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، فكم من كلمة حق أريد بها باطل، وكم من كلمة قالت لصاحبها دعني فلستَ حمل وزري.