إنها الرصاصة القاسية الباردة، التي تنطلق من يدك قبل روحك، وتخرج من عقلك قبل قلبك، تلك التي تفر من أعمق منطقة في الوجدان مع شهقات الحنين الإجباري عندما تغمض عينيك حتى لا ترى أمامك اللحظة، التي كنت تخاف منها، وألا تسمع أنينك، وأنت تغادر محطتك الأخيرة، وتسحب أجهزة التنفس الصناعية عن آخر دفقة حياةٍ كنت تعيشها، وتختار أصعب قرار بالابتعاد عن كل ما كان يبهجك، ويشعرك بالأمان، وأنت تصوب بندقيتك الصارمة نحو قلبك، وتهديه رصاصة أخيرة كيلا يرتجف، ويصمت إلى الأبد، كي تسقط آخر ورقة يابسة من شجرة العمر، هذه اللحظة التي وقف فيها «بندول الساعة»، وعاشها معظم الناس حائرين تجاه مرضاهم، الذين يتعذبون من شدة الوجع، وهم يقفون أمامهم دونما حيلة بعد أن شارفت حياتهم على المغيب، وهم يقاومون شعورهم بالعجز، والحيرة قبل أن يمتلكوا جرأة اتخاذ خطوة عاجلة، وموجعة في الاتجاه الصحيح، وهم يعدون حصى الطرقات غير المنتهية. تلك اللحظات، التي تنبت من رحم الحنين لكل الخيارات الصعبة، التي اتخذناها، وكانت فارقة في مفصل الحياة، وفي نظرنا قرارات غير منطقية، ونحن نعرف أنها ستظل في القلب غصة، وأنها ستنبت كالشوك بين أعشابنا الخضراء، لندوسها، ونحن نشعر بجمر الأقدار، الذي لا يواسي أقدامنا، ندوسه، ونمشي عليه، ونحن نعرف أننا سنواصل المسير مهما تألمنا لتتحول كل حكاياتنا في النهاية إلى ذكريات، تعبر على القلب، فتجمعه كله في لحظة ألم، ثم تنجلي، فمَنْ منا لم يطلق على قلبه، وحياته، ومشاعره، وعلى أشيائه الحبيبة رصاصة رحمة؟ ومَنْ منا استثناه القدر من هذه «الروشتة الأزلية»، التي أخذنتا إلى مفترق طرق، استعصت معها الحلول، وكانت النهايات المؤلمة هي الحل المثالي، الذي يجب علينا أن نقبله؟ ولم يتوقف تداول هذا اللفظ للحديث عن المشاعر الإنسانية الخاصة، وإنما تجاوزها ليحكي عن مختلف قضايانا العربية، والإسلامية، التي تنتظر رصاصة رحمة، تنهي معاناة شعوبنا، رصاصة واحدة فقط تنهي مهزلة المؤامرات، والتشرد، واللجوء، وصقيعنا العربي، رصاصة تكفينا لاختيار حل مثالي، وموجع، ولكنه يصنع رمقاً أخيراً، ودفقة حياة جديدة، صارت هي كل أمنياتنا. لتبدأ دورة حياة جديدة، يعيد فيها التاريخ نفسه، ويذكِّرنا بتكرار الرصاصة تلو الرصاصة، نطلقها بأيدينا المرتجفة لننهي معاناتنا، ونعود لنتذكر، ونحن نكرر ذات التجربة، ونطلق ذات الرصاصة في كل مرة نغفو فيها بالقرب من حلمنا العربي، الذي نتمنى أن يُولد من رحم الأزمات سوياً، وكبيراً، وعظيماً بحجم أوجاعنا. يقول الشاعر محمود درويش: