كلنا ندرك أن الإرهاب يتلبس أقنعة كاذبة مراوغة، بينما هو في حقيقته يستهدف وجودنا كلنا دون استثناء، ونحن مؤمنون أكثر بقوة تماسكنا في مواجهته، لكن هذا يجب ألاّ يحملنا على الركون إلى هذه القوة دون عمل ينمّيها، ويسد الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها ما يصيب تلك القوة بالوهن. أخطر الثغرات «المهملة» التي يمكن أن ينفذ إلينا منها فيروس الإرهاب، منابر الخطاب الإلكتروني، التي يقف عليها أشخاص «استثمروا» القطيعية المستشرية، وطفقوا يلوثون الفضاء الإلكتروني بقصد أو دون قصد بخطابات الجهل والتحريض والتشفي والتخوين والتصنيف. في مجتمعنا المتدين، من السهل استلاب الصغار قليلي الوعي والعلم والتجربة بفكرة ذات لمعة دينية لا تتطلب أكثر من «سيما» توحي بالتدين والصلاح، ثم تجييشهم فكرياً أو ميدانياً، بشكل مباشر أو غير مباشر، ضد الآخر المختلف عنهم، مهما كان اختلافه يسيراً. هؤلاء الصغار المارقون هم وقود نار الإرهاب، وهم ضحاياها في الوقت نفسه! لكن من الذي أوصلهم إلى تلك المرحلة؟! محرّض فعل كل شيء، إلا خطوة أخيرة تركها لمتربص متأهب، يشعل عود الثقاب ويقذفه بيننا! وبعد أن تقع الواقعة يقف المحرض على منبره إما معزياً أو متشفياً! لو استطلعنا آراء مستخدمي تويتر – مثلاً – عن أبرز دعاة التحريض والتطرف سنّة وشيعة، لاتفق معظمهم على أسماء معروفة، لا تزال منذ سنوات تنهج ذات المنهج، دون أن يتم التصدي لها بإجراء عملي فاعل. ملاحقة هؤلاء قضائياً بقدر ما هي حاجة حتمية، إلا أنها علاج وقتي، لكن العلاج الدائم هو إقرار قانون صارم لحماية الوحدة الوطنية، يجرِّم التحريض والكراهية والتصنيف، ويعزز فرص التعايش، ويجعل امتياز الفرد مرتبطاً باحترامه للمشتركات الكبرى، وبقيمة ما يسهم به في تقويتها، لا بالقيمة التي يمنحها لنفسه انطلاقاً من أي فكرة أخرى. قبل 40 عاماً كانت ماليزيا ترزح تحت وطأة أزمة عنصرية دينية عرقية، وصلت إلى حروب دامية بين (الهنود، الملايو، الصينيين)، ولم ينتشلها من ذلك الوحل إلا قانون تجريم التعصب وحماية الوحدة الوطنية. كان هذا سبباً في نقل ماليزيا في غضون سنوات قليلة إلى العالم الأول، بعد أن فرّغ الإنسان الماليزي ذهنه وعطاءه للإنتاج والإبداع، وتخلص من انشغاله بفكرة تعصبية فارغة. إذن، قانون حماية الوحدة الوطنية ليس علاجاً، ووقاية، فحسب، إنه حاجة تنموية ستوجه الطاقات المهدرة التي يستهلكها التعصب والتحريض والتطرف، إلى ميدان الإنتاج والإبداع وبناء الوطن.