لم تكن حادثة شرورة أول حوادث من تواضعنا على تسميتهم بالفئة الضالة، وأدعو الله أن تكون الأخيرة، ولتحقيق هذا ينبغي اتخاذ خطوات إجرائية واحترازية كثيرة جادة وحازمة، كثير منها قامت به الدولة وكثير منها يقع علينا كمواطنين بعد أن عاد التطرف لمهاجمة جبهتنا الداخلية. أدعي أن علينا مراجعة سياسة المناصحة برمتها، يجب الاعتراف بحقيقة علمية: المتطرف رجل أعمى، إن لم يكن بصريا ففكريا ومنهجيا وبصيرة، ورجل مريض قد يؤذي غيره. هم فئة قليلة ولا شك، لكن البحث يجب أن يكون عن منابع توالدهم، تجفيف هذه المنابع يقطع الحبل السري المؤدي لتكاثر هؤلاء، أي تتبع المحرضين، والتحريض درجات لعل أدناها السكوت عن قبيح الفعل وأشنعها التشجيع عليه والدعوة إليه. وقد سادت لفترة موجة استنكار حسبناها تصحيحا للمفاهيم المغلوطة، أو مراجعة فكرية لظنون رقت عند البعض لدرجة الاعتقاد، غير أنها كانت موجة أو موضة وتبخرت، ومن ثم عادت معظم تلك الأصوات لنغمات التشدد عبر منابرها المتاحة. هذا يصنع منها مشكلة فكرية في المقام الأول، صحيح أن ما نلاحظه منها هو هذه التفجيرات الإجرامية، لكن وكما تصنع القنابل التي يستخدمونها أو تهرب بطرق سرية، كذلك يتم صنع هؤلاء الفتية الذين ما زال كثيرون يصرون على تسميتهم بالمغرر بهم، يتم طبخهم وتدريبهم بطرق سرية وتلقينهم هذه الأفكار الضالة من قبل رجال غالوا في الدين وتنطعوا، وخانوا العهد وزين لهم الشيطان تفجير إخوانهم وأهلهم. إن كنا متيقنين حقا أنه فكر ضال ومنكر فنبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام شرع لنا مقاومته باليد، وهذا ما تقوم به القوات الأمنية مأجورة، أو باللسان، وهذا ما يسمى بفتح المنابر، ومحاربة الفكر بالفكر وبالجهر الذي لا يقدر عليه الفكر الضال لأنه فكر ظلامي لا يعمل ولا يشغل مطابخه إلا في السر، أما إذا ظللنا في مرحلة الإنكار بالقلب وهي أضعف الإيمان فإن هذا الفكر سينتشر وسينال منا لا قدر الله. وكما أن التحريض درجات فإن الإنكار بالقلب درجات أيضا، لعل أفضلها إنكار العاجز عن فعل شيء لكبر سن أو لجهل أو مرض، وكلها قابلة للعلاج بتعدد المنابر، ولعل أنكرها التكتم على متهم أو حتى مشتبه به. وهنا يقع دور كبير على علمائنا الأجلاء لكشف هذا الزيف والتعصب والتطرف في ديننا السمح. وحتى تكتمل دائرة محاصرة هذا الفكر الضال، لا بد من فتوى عامة يبنى عليها قانون عام يجرم أي فعل تحريضي فئوي طائفي مناطقي فردي وجماعي سري وعلني، فالردع أجدى وسائل المنع ولنا في حكمة سن الحدود شفيع، ولنتذكر دائما أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فكيف والقرآن مليء بآيات كريمة تنهي عن التطرف لأننا أمة الوسط، وأحايث نبوية تحذر من التنطع والغلو.