المتابع للمشهد السعودي يلفت انتباهه ارتفاع وتيرة التعصب عبر بعض القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، وما أنتجه من عنصرية وإقصاء وتجاوز ونشر لثقافة الكراهية، ما يشكل خطراً حقيقياً على السلم الاجتماعي، وتقويض للمشتركات الوطنية. التعصب، ارتباط عاطفي لا عقلاني بفكرة معينة، وانغلاق عليها بشكل يرفض الحوار والنقاش مع أي طرح يتناولها بنقد مهما كان منطقياً، وقد تكون الفكرة دينية، مذهبية، عرقية، قبلية، مناطقية، رياضية، تبدأ بالاختلاف، فالخلاف، ثم الإقصاء، فالصراع. قبل 40 عاماً كانت ماليزيا ترزح تحت وطأة أزمة عنصرية أنتجها التعصب العرقي، وصلت إلى حروب دامية بين مكوناتها العرقية الثلاثة (الهنود، الملايو، الصينيون)، ولم ينتشلها من ذلك الوحل إلا مشروع مهاتير محمد لمواجهة التعصب. المشروع بدأ بإصلاح التعليم، والإعلام، وضمنهما استراتيجية وطنية علمية وعملية للتعايش، فجرّم التعصب كفكر وكممارسة، وجعل امتياز المواطن الماليزي مرتبطاً بانتمائه لوطنه لا عرقه، وبقيمة ما ينتج، لا بالقيمة التي يمنحها لنفسه انطلاقاً من أي فكرة أخرى، فنقل ماليزيا في غضون سنوات قليلة إلى العالم الأول، بعد أن فرّغ الإنسان الماليزي ذهنه وعطاءه للإنتاج والإبداع، وتخلص من انشغاله بفكرة تعصبية فارغة. نحن اليوم أكثر حاجة من أي وقت مضى للتصدي للتعصب بكل حزم، عبر قوانين صارمة تجرّم التعصب وكل ما ينتجه، لعلنا نلحق بماليزيا، التي نجحت بامتياز رغم أنها تفوقنا تعدداً عرقياً وعدداً بشرياً، فقد استهلكنا التعصب بشكل مؤذٍ ومؤسف. بعد ذلك يكون العلاج للمناهج التي أنتجت الفكر المتعصب، أو التي ساهم غيابها في إنتاجه، منهج التربية، منهج التعليم، منهج التفكير، منهج الحوار، منهج الاختلاف، ونقد هذه المناهج باستمرار، وتطوير آلياتها وأدواتها، وتأطيرها بالقوانين.