أتذكر قصة، رواها لي أحد الأصدقاء العرب قبل عقد تقريباً، يحكي فيها عن مصائب إهدار الأكل، والعبث بالنعم من قِبل «رهط» من عشيرته، مؤكداً أنهم باتوا فيما بعد يلاحقون «الخبز» الجاف على الأرصفة. تذكرت قصتة المرعبة ال «مرهبة»، وأنا أشاهد مجموعة من «المتخلفين» سلوكياً، «المخالفين» دينياً، وهم «يتبهرجون» بغسيل أيديهم بدهن العود، أو رمي مبالغ مالية، أو صبِّ السمن على أيدي الضيوف وهم يأكلون، أو تغيير اسم ولد باسم الكرم في مسألة بغيضة مخزية بكل التفاصيل. وهنا سأتناول في مقالي تحليلاً شخصياً لأسباب ظاهرة الهياط في مجملها، وتحليل شخصيات المتورطين فيها، واقتراح العقاب المفترض في حق هؤلاء الجاهلين. أؤكد أن مَنْ يمارس هذا الفعل من الكفر بالنعمة، والتلاعب بها، لا يختلف عن «راقصة» هزت «وسطها» على طاولة طعام، ويتشابه تماماً مع فاجرات، يتراشقن الأكل في ليلة حمراء! هؤلاء الأغبياء ممَّن «تراصوا بالكروش»، وهم ينادون بعضهم بصيحات الترحيب والتكريم أثناء «لعبهم بالنعمة»، ما هم إلا مجموعة من «الناقصين»، يحاولون أن يسدوا نقصهم بالبهرجة، والهياط، وأن يملأوا فراغات الفشل بسلوكيات مؤسفة، أساءت إلى صورة المواطن، و»سوَّدت» بياض صفة الكرم والجود، وشوَّهت وجه التعامل مع النعمة. بالعودة إلى الدافعية، التي دفعت بهؤلاء الناقصين في مقوماتهم للقيام بما سلف ذكره، سنرى أنهم فارغون من قيم ومبادئ الإسلام، الذي يوجه، ويحث على احترام، وتقدير نعمة الله، والإحساس بآلام الآخرين، واتخاذ العظة والعبرة من مئات القصص عن المجاعات التي هزت شعوباً، كانت تأكل من نِعم الله، وكان سبب ذلك الجوع هو الكفر بنعم الله، ثم يأتي هؤلاء السفهاء ليحاولوا مواجهة عقدهم النفسية بالهياط بحجة الكرم بالبذخ والإسراف حتى تجاوزوا ذلك إلى الكفر بالنعمة، وتصوير ما يقومون به لعرضه أمام الملأ، وهم بذلك وقعوا في معصية الله، وليس هذا فحسب، بل جاهروا بها من باب الهياط، ليقعوا في معصية أعظم من سابقتها. لو رجعنا إلى النماذج المتورطة في مقاطع الهياط، سنجدهم مجموعة من الأشخاص «ناقصي الفكر، والثقة في النفس»، وأتمنى أن يتم عرضهم على أطباء نفسيين بشكل عاجل لأن ما صدر منهم لا يصدر إلا من أنفس مصابة بالعصاب، خرجت من بوابة الفقر إلى واحة النعمة التي لم يقدروها، وهم الأولى بشكرها، فعوَّضوا نقصهم، وأيام جوعهم، التي أهلكت أحشاءهم ب «قلة دين وحياء، وهياط، وتلاعب بالنعمة». سمعنا مَنْ نادى بقانون لتجريم لهذه الأفعال، وبعضهم كان حنوناً معهم، فقال بنفيهم إلى بلاد فيها جوع، وآخرون طلبوا أن ينخرطوا في أعمال تطوعية. أنا أرى أن القانون موجود ولا يحتاج إلى سنٍّ من جديد، لذلك أرى أن تتم ملاحقتهم، ومن ثم إحالتهم إلى القضاء المتخصص الذي يصدر فيهم أحكاماً تتناسب مع أفعالهم، وأرى أن تتضمن تلك الأحكام الجلد بالسياط لكي يتخلوا عن هياطهم، ويكونوا عبرة لكل مَنْ ينكر نِعم الله، ويكفر بها، فدوام الحمد يديم النعم، ومَنْ يعكس القاعدة تكون نتيجته وخيمة وعكسية، وتضر ما نحن فيه من نِعم لا تعد ولا تحصى.