الهياط …نظرة تأمل بقلم :أ- شاكر الحارثي رئيس التحرير انتشر في الآونة الأخيرة عددٌ من مقاطع الفيديو التي استهتر فيها البعض بما أنعم الله عليه من نعم كثيرة بداعي الكرم والعادات والتقاليد والأمور التي لا ملة لها ولادين ولاعُرف . شاهدنا من يغسل أيدي ضيوفه بدهن العود الفاخر ومن ينحر ابنه لأجل ضيفه وهو كاذب ورجل يرمي النعمة تحت أقدام ضيوفه وآخر يتباهي بكثرة ماله وملله منه وأخرى بذهبها تكسر قلوب المساكين والفقراء وآخر يقيم الولائم الكبيرة من أجل أناس بداعي الكرم الكاذب ورجال ونساء يتباهون بتصوير طبق حلى يفوق سعره مئات الريالات أوتصوير وجبة عشاء فاخرة بمبالغ عالية جداً . لماذا كل هذا هل هو نقص في العقول أو كفر بالنعمة أو استهتار أو انتقاص من طبقة الفقراء ؟؟ ورغم كل ذلك نلاحظ الأسعار ترتفع والخير يقل والناس لا حمداً ولا شكوراً !! لعل هذه الصورة التي انتشر فيها البذخ إنذار خطير وتنبيه عاجل فليحذر هؤلاء الذين يستهترون ويلعبون بالنعم وليحمدوا الله تعالى على ما أنعم به عليهم فبالشكر تدوم النعم ، وليعتبروا بالأمم السابقة التي تغير حالها من حال الغنى للفقر والجوع قال تعالى "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" أما آن الأوان لأن يكف مثل هؤلاء السذج ؟ أم أنهم ينتظرون قارعة من السماء تحل بهم !! عجبي من حالهم ومن يناصرهم بتقليدهم فهم بذلك يعجلون مصيرهم المحتوم . إلى كل هؤلاء عودا لرشدكم وأعلنوها توبةً نصوحاً قبل أن يأتي يوم لا ينفع الندم ولننظر فيمن حولنا من بلاد المسلمين وما حل بها من حروب وفقر وجوع وخوف ولنحمد الله على مانحن عليه من نعمة لاتعد ولاتحصى . قد يقول قائل لماذا هذا التضييق على الخلق في حياتهم الخاصة وهذا شأنهم ! نقول له يحب علينا نصحهم والأخذ على أيديهم قبل أن تغرق السفينة والسبب أننا تركنا النصح لمثلهم . أين هم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعطي عطاءً فقدر أن يجزي به فليجز به، ومن لم يقدر فليحسن الثناء، فان لم يفعل فقد كفر النعمة .. والثناء الشكر لله تعالى وليس البذخ كما يفعله البعض . وشكر النعمة يكون بالقلب واللسان والجوارح، وبعدم صرفها فيما لا يرضي الله تعالى وأما عقاب كفر النعمة فإنه يكون بزوالها والعقاب عليها؛ فكما أن شكر النعمة يزيدها فإن كفرها يزيلها. قال ابن كثير في التفسير عند قول الله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {إبراهيم:7}. أي لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، ولئن كفرتم أي كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها إن عذابي لشديد، وذلك بسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها". ولعلنا نذكر هنا أركان الشكر التي لا يصح الشكر إلا بها: الركن الأول: التحدث بها ظاهرا، كما قال تعالى: (( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ . )) ولكن ليس بالصورة التي يفعلها هؤلاء. الركن الثاني: الاعتراف بها باطنا، يعني: تعترف في قرارة نفسك أنها من الله سبحانه وتعالى، فيكون قلبك موافقا للسانك من الاعتراف بأنها من الله . الركن الثالث: صرفها في طاعة موليها ومسديها وهو الله سبحانه وتعالى، بمعنى: أن تستعين بها على طاعة الله، فإن استعنت بها على معصية الله فإنك لا تكون شاكرا لها . ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا المراد بإنكارها: جحودها، إما باللسان وإما بالقلب، بأن تنسب إلى غير من أنعم بها، إما أن تنسب إلى الأسباب، وإما أن تنسب إلى الأصنام والآلهة، وإما أن تنسب إلى الآباء والأجداد، وإما أن تنسب إلى كد العبد وكسبه وحذقه ومعرفته، وإما بصرفها في معصية الله . فما ذكره الشيخ رحمه الله في هذا الباب إنما هو أمثلة لكفران النعمة . أيها الأحبة لعل في كتاب الله الكريم قصص وعبر لأمم ماضية وقرون خالية أخذهم الله بعد أن غمرتهم النعم وفتحت عليهم الدنيا ولكن خلت قلوبهم من الذكر والشكر ,وفسدت أحوالهم وساءت حياتهم كلهافأهلكهم الله . يقول الله تبارك وتعالى{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِى مَسْكَنِهِمْ ءَايَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّاتِهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجْزِى إِلاَّ الْكَفُورَ }. والمتأمل في هذه القصة العجيبة يجد أن كثير من بلاد العالم تعج بالخيرات والنعم وهم يكفرون بالرحمن سواءً كفر جحود وتكذيب أو جحود وكفر النعمة التي ساقها الله تعالى لهم عن الصحابي الجليل عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب ، فإنما هو استدراج " ثم تلا رسول الله:( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ) ) ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إذا كنت في نعمة فارعها *** فإنَّ المعاصي تزيل النَّعَم فإن تعط نفسك آمالها***فعند مناها يحلُّ الندم فأين القرون ومن حولهم ***تفانوا جميعاً وربي الحكم محامد دنياك مذمومة ٌ***فلا تكسب الحمد إلا بذم أحببناكم فنصحناكم والله من وراء القصد ….. والسلام