في نهاية المطاف جلست مع طفلي ذي الأعوام الثلاثة أمام مكتب الطبيب الاستشاري بعد رحلة في المستشفيات الخاصة استغرقتنا أكثر من ستة أسابيع، كان خداه قد توردا وزال الشحوب بعد أن انتهت قصة الحرارة مجهولة المنشأ ورحلة البحث عن مصدرها، قلت للطبيب: إن مستشفى الأطفال بالمدينة رائع جداً وخدماته تكاد لا تختلف عن مستشفيات زرتها في بريطانيا ! أين المستشفيات الخاصة عنكم وعن كفاءتكم في التشخيص وسرعة أدائكم وجاهزية معاملكم ؟ دقق الطبيب النظر في وجهي محاولاً أن يتعرف على شخصيتي ثم قال: لا شك في أنك شخصية معروفة على ما يبدو وعندك «واسطة» ! قلت له : لا والله يا دكتور ! لقد دخلت من البوابة العادية كباقي أمهات الأطفال ولست شخصية مهمة كما تتصور! عاد الدكتور بمقعده إلى الخلف وقال: يبدو أننا تأقلمنا مع ميل المراجعين لإظهار السلبيات دون الإيجابيات في المستشفى فلم نعد نجد طعماً في الإطراء والمديح. قلت له: أنتم تستحقون ذلك بشهادة من أم لطفل حملته أمه من مستشفى خاص إلى آخر حتى أنهكت المضادات الحيوية معدته الصغيرة، في المستشفيات الخاصة التي مررنا بها يا دكتور كانوا يصرفون الأدوية بسخاء لطفلي دون تحاليل أو صور أشعة وكأن المضادات علاجات لكل داء! كنا نقضي الوقت الطويل أمام العيادات الخاصة مع المراجعات ما بينهما والنتيجة لم تكن مرضية. هل تصدق أن موظفة الاستقبال أنهت إجراءات دخول طفلي في دقائق معدودات ولم يسبق له الدخول من قبل، وأن رقم طفلي كان 612 ولم ننتظر أمام العيادات أكثر من خمس وأربعين دقيقة، كان الوقت مساءً والمستشفى يعمل مثل خلية نحل وكأنها الفترة الصباحية، كل شيء يعمل بانتظام وكفاءة عالية ! عيادات صغيرة يدخل إليها الطفل المريض ثم يتم تحويله إلى قسم الطوارئ إذا ما استدعت الحالة ذلك. في المختبر تسلمت نتيجة التحاليل من صورة الدم والأشعة في أقل من أربعين دقيقة، تم بعدها تحويله إلى طبيب استشاري أمر بإيقاف جميع الأدوية التي أنهكت معدة طفلي، بما فيها موسع الشعب الهوائية، في انتظار نتيجة المزرعة بعد يومين. وفي الزيارة التالية علمت أن طفلي لم يكن في حاجة لهذا الكم الهائل من الدواء، واتضح لي أن طبيباً في مستشفى الأطفال لا يصف لطفل علاجاً مالم يكن قد تم فحصه سريرياً ومخبرياً، وكان من الواضح جداً أن الأطباء ودون محاباة ذوي كفاءة وخبرة عالية، حتى الممرضات السعوديات لم يختلف أداؤهن مع طفلي عن سواهن، بل وجدت في بعضهن التفاني في خدمتي وغيري من الأمهات المراجعات، شكرني الطبيب وكان من الواجب أن أتقدم له بالشكر نيابة عن طفلي. في يوم الخروج حاملة طفلي سليماً معافى توقفت لدقائق أمام بوابة المستشفى لأحمد الله على هذا المكان الذي يعمل ليلاً ونهاراً، 24 ساعة متواصلة بكوادره وموظفيه بكفاءة عدة مستشفيات دون توقف على الرغم من أنه مستشفى الأطفال الوحيد في المدينة. * من مذكرات إحدى صديقاتي