ابتهج الوطن باللقاءات الحوارية للتخطيط لمستقبل المملكة العربية السعودية في سنة 2020م، وشكك بعضهم في إمكانية تحقيق الأهداف المرسومة، ولكن لا مكان للمتشائمين أمام الإرادة القوية. ومن الحكم التي يتداولها الصيادون: من لا يقيس قبل ما يغوص، ما ينفعه القوس عند الغرق، ويقصد به التخطيط قبل أن يتفاجأ الشخص بنتيجة عدم تخطيطه. إن بعد النظر للمستقبل وأخذ الحذر من الحوادث غير المتوقعة دليل على الحصافة وحسن التدبير، ففي قصة يوسف عليه السلام:» قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)». قال الشيخ السعدي -رحمه الله– في تفسيره ص 399: «فجمع لهم في تأويلها بين التعبير والإشارة لما يفعلونه، ويستعدون به من التدبير في سني الخصب، إلى سني الجدب فقال: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} أي: متتابعات. {فَمَا حَصَدْتُمْ} من تلك الزروع {فَذَرُوهُ} أي: اتركوه {فِي سُنْبُلِهِ} لأنه أبقى له وأبعد من الالتفات إليه {إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ} أي: دبروا أيضا أكلكم في هذه السنين الخصبة، وليكن قليلا ليكثر ما تدخرون ويعظم نفعه ووقعه. {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} أي: بعد تلك السنين السبع المخصبات. {سَبْعٌ شِدَادٌ} أي: مجدبات جدا {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} أي: يأكلن جميع ما ادخرتموه ولو كان كثيرا. {إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ} أي: تمنعونه من التقديم لهن.{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} أي: بعد السبع الشداد {عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} أي: فيه تكثر الأمطار والسيول، وتكثر الغلات، وتزيد على أقواتهم، حتى إنهم يعصرون العنب ونحوه زيادة على أكلهم، ولعل استدلاله على وجود هذا العام الخصب، مع أنه غير مصرح به في رؤيا الملك، لأنه فهم من التقدير بالسبع الشداد، أن العام الذي يليها يزول به شدتها. ومن المعلوم أنه لا يزول الجدب المستمر سبع سنين متواليات، إلا بعام مخصب جدا، وإلا لما كان للتقدير فائدة، فلما رجع الرسول إلى الملك والناس، وأخبرهم بتأويل يوسف للرؤيا، عجبوا من ذلك، وفرحوا بها أشد الفرح، ولما تولى يوسف عليه السلام خزائن الأرض، دبرها أحسن تدبير، فزرع في أرض مصر جميعها في السنين الخصبة، زروعا هائلة، واتخذ لها المحلات الكبار، وجبا من الأطعمة شيئا كثيرا وحفظه، وضبطه ضبطا تاما». وقد روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم» رواه البخاري 9/501 ومسلم 3/1378-1379. وقد كان التخطيط للمستقبل وفق المعطيات المعاصرة من أهم ما يميز القادة الناجحين، وفي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم– بنا أسوة في ذلك، فقد روى مسلم برقم 235 عن حذيفة، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أحصوا لي كم يلفظ الإسلام»، قال: فقلنا: يا رسول الله، أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟ قال: «إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا»، قال: «فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا». إن النظرة القاصرة للحاضر، وعدم التخطيط للأجيال أمر يدل على لؤم في الطباع، ولا ترتضيه النفوس الشريفة الأبية، وقد ورد الحث على العمل ولو لم يكن العامل سيستفيد من هذا العمل في القريب العاجل بل ربما لا يستفيد منه إلا الجيل القادم،حتى إنه ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» إن قامت على أحدكم القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها» رواه أحمد 3/191 والطيالسي(275) والبخاري في الأدب المفرد( رقم 479). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لخزيمة بن ثابت رضي الله عنه: ما يمنعك أن تغرس أرضك؟ فقال خزيمة: أنا شيخ كبير أموت غدا، فقال له عمر: أعزم عليك لتغرسنها. رواه ابن جرير كما في السلسلة الصحيحة (7). وقال الحارث النخعي: رجعنا من القادسية فكان أحدنا يُنتَج فرسه من الليل، فإذا أصبح نحر مُهرها فيقول: أنا أعيش حتى أركب هذه؟ فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فكتب إلينا: أن أصلحوا ما رزقكم الله فإن الأمر نَفَس» أي: سعة رواه البخاري في الأدب المفرد(168) وهناد في الزهد(1289). وذكر بعض الإخباريين أن أحد الخلفاء مر على شيخ يغرس شجرة زيتون، فتعجب الخليفة وقال: كيف تغرس هذه الشجرة مع علمك أنها لا تثمر إلا بعد سنوات طويلة ومن البعيد أن تدرك ذلك، فقال الشيخ: زرع آباؤنا فأكلنا ونزرع ليأكل أبناؤنا.