خلت سجلَّات «كورونا» من أي ضحايا لليوم الثالث على التوالي، في وقتٍ وصف وزير الصحة، المهندس خالد الفالح، تجربة الفيروس في المملكة ب «صعبة ومريرة»، لكنه أبدى تفاؤله بها لأنها مكَّنت البلاد من بناء قدراتٍ بحثيةٍ تجعلها دولة قيادية في المنظومة الطبية، مرجِّحاً أن يكون في البيئة السعودية ما يناسب مع خصائص الفيروس. ووصف الوزير المؤتمر العالمي لأبحاث لقاح الفيروس، الذي انعقد يومي أمس وأمس الأول في الرياض، بخطوةٍ مهمةٍ على طريق إيجاد علاجٍ لمرض متلازمة الشرق الأوسط التنفسية. وأبدى ثقةً «بلا حدود» في قدرات السعوديين والسعوديات في البحث العلمي، وقال «إذا كان هناك فراغٌ في الماضي في هذا الجانب، فلأن المسؤولين عنه لم يوفِّروا البيئة المناسبة». وتعهد، خلال مشاركته أمس في مؤتمر أبحاث لقاح «كورونا»، بتنسيق الجهود داخليّاً وخارجيّاً لتطوير القدرات البحثية الوطنية في المجال الطبي. وعَدَّ المهندس خالد الفالح بعض مكوِّنات المنظومة الصحية في المملكة حديثةً نوعاً ما مقارنةً بدولٍ متقدمة. وأوضح «ليس لدينا العمق الموجود لديهم، وعلى الرغم من التطور الكبير خلال العقود الماضية في العلاج والوقاية من الأوبئة؛ لم نخطُ خطوات تُذكَر على صعيد البحث الطبي واستحداث أدوية وأمصال لأنفسنا، وما زلنا نعتمد على صناعة الأدوية العالمية وعلى مراكز الأبحاث العالمية». وذهب إلى القول إن «الأمراض المستجدة لدينا قليلة، وربما كان هذا هو السبب الذي لم يُوجِد دافعاً قويّاً لتطوير الأبحاث». ولاحظ الفالح أن المملكة تكاد تكون الدولة الوحيدة التي تعاني من متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، واستدلَّ بتسجيلها 85% من حالات المرض على مستوى العالم، مضيفاً «إلى الآن لم نعرف السبب». وأشار إلى دولٍ أخرى تكثُر فيها الإبل «لكن الإصابات لديها قليلة وانتشار العدوى فيها محدود، رغم أن جاهزيتها وقدراتها من الناحية البحثية ليست أفضل منَّا». ورجَّح أن يكون للفيروس خصائص تجعل من بيئة المملكة مناسبة أو مثالية له «لذا فإن حاجتنا إلى الأبحاث أكثر خصوصاً أن علينا مسؤوليات تجاه المواطنين وتجاه العالم». وعدَّ الفالح مؤتمر الرياض لأبحاث لقاح «كورونا» التجمع الأول من نوعه عالميّاً، وأبدى ارتياحه للتمكُّن من جمع أقطاب المؤسسات البحثية والمموِّلة تحت سقف واحد لبحث التوصل إلى مصل و»معرفة الخاصية التي تجعل بلادنا مختلفةً عن غيرها في انتشار المرض»، متطلِّعاً إلى أن «يكون هذا هو آخر وباء يظهر في المملكة». لكنه استدرك بقوله «لنكون أكثر صدقاً يجب القول إن أحداً لا يعلم ما إذا كنَّا سنواجه تفشياً لوبائيات أخرى»، مشيراً إلى فيروس «إيبولا» الذي فتَك بغرب إفريقيا وفيروس «سارس» الذي أحدَث عدداً كبيراً من الوفيات في شرق آسيا. في سياقٍ متصل؛ توقَّع أحد العلماء المشاركين في المؤتمر ألا تقل تكلفة تطوير لقاح متلازمة الشرق الأوسط التنفسية عن 100 مليون دولار «حوالي 375 مليون ريال»، لافتاً إلى أهمية إجراء الأبحاث الخاصة بالعلاج المنتظَر داخل المملكة. وعدَّ رفيق سكالي، وهو متخصص في علم الأنسجة في جامعة كيس ويسترن ريزيرف الأمريكية، المؤتمر مبادرة أساسيةً وخطوةً على الطريق الصحيح، مشدِّداً «يجب ألا تتوقف هذه الجهود، بل يتم البناء عليها بالتكاتف». وأبدى سكالي، في تصريحاتٍ خاصةٍ ل «الشرق»، تفاؤله بجهود المملكة المستهدِفة تطوير اللقاح «حتى لو طال الوقت». وذكَّر باستغراق إنتاج لقاح «إيبولا» عاماً ونصف العام، منبِّهاً إلى اختلاف فاعلية العلاج من منطقة إلى أخرى ومن شعب إلى آخر «فليس كل مصل فاعلاً بنفس الدرجة مع جميع المرضى، وهذا لا يعني الفشل، بل إنه الواقع». ورأى سكالي أن إنتاج مصل بنسبة فاعلية تصل إلى 60 % سيكون إنجازاً، بينما نبَّه الدكتور فهد بن ناصر المجحدي، من جامعة الملك سعود، إلى أهمية تطوير البنى التحتية في الوزارات والجهات الحكومية التي تتعامل مع الأوبئة. وقال إن «الأمر قد يتطلب إيجاد اتفاقية عمل بين أكثر من جهة للتصدي للوباء والتغلب على المشكلات الطارئة، كما هو الحاصل في الاتفاقية البحثية بين وزارتي الصحة والزراعة ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية». وبدا المجحدي، وهو أستاذ في علم الفيروسات، متفائلاً إزاء مؤتمر الرياض. وبسؤاله عن فرص توصل المجتمعين إلى إنتاج لقاح بعينه؛ قال «العمل قائم وبشكل مكثف لتطوير لقاحات خاصة بكورونا، وهناك عديد من اللقاحات التي ما تزال في مرحلة التجارب الإكلينيكية، ما يتطلب بعض الوقت حتى نخلُص إلى لقاح آمن وفاعل يحمي من الإصابة»، داعياً إلى التعامل مع المشكلة بواقعية. في الوقت نفسه؛ رأى المجحدي ضرورة تركيز الجهود على إنتاج لقاح للإنسان قبل الإبل. وتابع «أرى الفِرَق والهيئات العلمية المتخصصة تواجه عديداً من الصعوبات في تطوير اللقاحات المطلوبة سواءً للإبل أو للإنسان؛ وبناءً عليه يجب التركيز بشكل مكثف على تطوير لقاح خاص بالإنسان كهدف نهائي مطلوب خاصةً مع وجود عقبات أمام تقييم جدوى اللقاحات للإبل». بدوره؛ أكد وكيل وزارة الصحة للصحة العامة، الدكتور عبدالعزيز بن سعيد، تعامل الوزارة مع متلازمة الشرق الأوسط بسياسة النفس الطويل أو السباق الماراثوني. وقال في كلمةٍ له خلال المؤتمر ذاته «استمرت جهود السيطرة على انتشار المرض وتهدئة وطمأنة المواطنين والمقيمين، فيما كانت الوزارة من جانب آخر تواصل البحث عن لقاح أو علاج ناجع، وتطلَّب هذا أن نبذل جهوداً مضنية للفت انتباه العلماء وجمع أشهرِهم على طاولة واحدة». وأشار إلى محطات عديدة بين المؤتمر الحالي الذي يشارك فيه نحو 110 خبراء من جنسيات متعددة وتاريخ ظهور المرض في المملكة في عام 2012. وذكر أن هذه المحطات شهِدَت رصد 1276 مصاباً تُوفِّي منهم 547، مشيراً إلى اعتماد المسؤولين نهج الشفافية والوضوح عبر إعلان كل جديد في شأن الإصابات أو وسائل الوقاية ونشرها بين الناس وداخل المنشآت الطبية مع كشف الحقائق لأعضاء مجلس الشورى. ورأى ابن سعيد أن الخطوة الأهم التي أقدمت عليها الوزارة كانت إنشاء مركز القيادة والتحكم الذي أوكِلَت إليه «شؤون كورونا». وبيَّن أن المركز الذي تأسَّس بعد رصد تفشٍّ للمرض في مدينة جدة في عام 2014 تجاوز البيروقراطية الإدارية وامتلك منصات سهَّلت العمل الوقائي، ثم تطوَّر أداؤه من العمل الرأسي إلى الأفقي بعد انتقال مقره إلى الرياض في عام 2015، ليتم لاحقاً إنشاء مراكز قيادة وتحكم محلية. إلى ذلك؛ أعلنت «الصحة» أمس عدم رصدها أي حالات جديدة ل «كورونا» على مستوى الإصابة أو الوفاة أو التعافي. وبذلك؛ يستقر عدَّاد الفيروس داخل المملكة عند 1276 إصابة مؤكدة منذ صيف 2012. وتعافت 726 من هذه الحالات بنسبة 56.9 % من الإجمالي، فيما تُوفِّيَت 547 أخرى بنسبة 42.8%، ولا تزال 4 حالات قيد المتابعة العلاجية بنسبة 0.3%. وطبقاً لبيانات مركز القيادة والتحكم؛ انتقلت العدوى إلى 12 % من المصابين عبر عاملين صحيين، وإلى 33% داخل المنشآت الصحية، وإلى 14% بسبب المخالطين المنزليين. وفيما صنَّف المركز 38% من الحالات باعتبارها «أوَّلية»؛ فإنه وصف 3% ب «غير مصنَّفة». وكانت آخر إصابة سُجِّلَت الخميس الماضي في الرياض لوافد يبلغ 47 عاماً ولا يعمل في القطاع الصحي علماً أنه اكتسب العدوى داخل منشأة طبية. ومنذ اكتشاف هذه الحالة؛ لم تُسجَّل إصابات جديدة في أيام الجمعة والسبت والأحد.