طلبت مني إحدى الشخصيات الاعتبارية ذات مرة سيرتي الذاتية، فسألته عن الجوانب التي يريدها مضمنة في السيرة فقال ضاحكاً: الشيء الذي تريد أن نعرفه عنك! هذه الجملة الموجزة كانت نافذة واسعة لكتابة السيرة عموما؛ فالسيرة الذاتية تختلف كثيرا عن السيرة الغيرية التي تتسم بقدر أكبر من الموضوعية.. إن الإنسان يبدأ مهتماً بسيرة ذاتية لا تتضمن إلا المضي في مسيرة حياته، لكنه لن يصل للتصالح مع الذات حتى يتقبل سيرته كما هي بانكساراتها قبل نجاحاتها وبعثراتها قبل انطلاقاتها وبأحلامه الغاربة قبل آماله المشرقة. فلولا الانكسار لما عرفنا طعما للنهوض، ولولا الفشل لما عرفنا معنى النجاح! لقد تفاوت الأدباء في التعامل مع سيرهم الذاتية فمن مضخم مهول لها إلى مستحقر مستقل لشأنها وبين هذا وذاك تتجلى سير تمضي قدما في مدارج الصدق كما فعل أديبنا أبو مدين في (حكاية الفتى مفتاح) وكما أراد الصديق العرفج المضي قدماً في كشف جوانب من سيرة التنبل في كتابه السيري عن حياته الدراسية «المهمل من سيرة طالب تنبل» لولا خواطر أسرية يجب أن تراعى! إن أصدق السير تلك التي تتسم بالصدق والبعد عن التلميع؛ حتى يكون الخاص عاما والعام خاصا فلا شيء يعيق الإنسان ليقف تحت الضوء معتزا بهذه السيرة بكل انعطافاتها وتشكلاتها وتحولاتها؛ لأنها -باختصار- تجسد حكاية إنسان يكتنفه الخطأ والصواب والضلال والاهتداء والفشل والنجاح بطبيعته.. حينها فقط ستكون سيرة مثرية للأجيال!!