قبل الطفرة الأولى – منتصف سبعينيات القرن المنصرم – لم يكن أحد يسمع بكلمة «المواطن كسول.. ولا يصلح للعمل.. ولا ينتج»! ثم، جاء خير وفير بسبب ارتفاع أسعار البترول، وكانت الحاجة ماسة للارتقاء بالبنية الأساسية بسرعة تتماشى مع ما جاء من خير لهذا البلد. ولحجم المشاريع، وتعدادها، لم يكن هناك، وقتها، ما يكفي من يد عاملة، أو شركات منفذة، ومؤسسات تستطيع القيام بأعباء المهمة الكبرى. يؤدي ارتفاع الإنفاق الحكومي في كل الاقتصادات إلى خلق فرص، ونشوء أعمال مباشرة، أو مساندة، لتنفيذ ما أنفقت عليه الدولة من مشاريع. وهكذا، أتيحت الفرص لكثير من الناس إما للعمل في تلك الشركات المنفذة، أو حتى تأسيس مؤسسات تعمل إما من الباطن للشركات الكبرى، أو أنها مؤسسات خدمات مساندة. المشكلة الكبرى كانت عدم توفر عدد، وتأهيل، اليد العاملة الوطنية لتنفيذ الخطط والمشاريع الطموحة التي أرادت الدول القيام بها. فالطبيعي كان استقدام الأيدي العاملة من بلدان مختلفة، وبأعداد ضخمة، ومؤهلات لم يكن التحري عن مصداقيتها ممكنا، أو حتى مطلوبا. ثم تكوّن ما يمكن تسميته ب «الاقتصاد الطفيلي» أغنى أناسا فقط لأنهم رضوا أن يكونوا واجهة لغيرهم من الوافدين الذي رأوا فرصا متاحة، وثغرات اقتصادية واجتماعية يمكن لهم استغلالها بمزيد من العمالة الوافدة. الطفرات الاقتصادية، في كل العالم، وعلى مدى التاريخ، تصاحبها طفرة بشرية حيث يزداد عدد المواليد، فيتغيّر التوزيع الديموغرافي للسكان. هؤلاء الشباب الذين لم يكن عددهم مهددا للاقتصاد الطفيلي، كبروا، فرغبوا – بالطبع – أن يدخلوا سوق عمل متخم بالعمالة الرخيصة الوافدة.. من هنا بدأت المشكلة! كان تأثير الاقتصاد الطفيلي كبيرا في تشكيل الرأي العام، وساعدته وسائل إعلام تعتمد في استمراريتها على ما ينفقه ذلك الاقتصاد، بشكل مباشر أو غير مباشر، عليها. ذلك الاقتصاد، وتلك الوسائل، هي التي خلقت وهمًا، تحوّل في عقول بعضهم إلى حقيقة يصعب الجدال فيها، بأن الشاب السعودي لا يصلح لأن يعمل.. فهو – الشاب المواطن – يرغب فقط في أن يكون مديرا بلا إنتاجية. ذلك الرأي العام هو الذي أوصلنا لما نحن عليه الآن من البطالة الحقيقية والمقنّعة المتمثلة في السعودة الوهمية، أو اضطرار القطاع العام لتعويض تقصير القطاع الخاص في التوظيف، وبذلك يعمد إلى ما يسمى ب «التوظيف الاجتماعي». ورب ضارة نافعة! انخفاض أسعار البترول التي لا يتوقع لها أن تتعافى قبل عام 2020 يمكن لها أن تخلق فرصة لا تعوّض في سبيل إعادة تشكيل الرأي العام عن الموظف المواطن دون أن تضطر وزارة العمل لخلق توظيف وهمي لنسب وهمية لا تعتمد على أساس علمي في علوم إدارة الاقتصاد الكلي وإدارة وتشغيل الموارد البشرية. علينا، وعلى وسائل الإعلام كافة، سواء المُشاهَد، أو المسموع، أو المقروء مطبوعا كان أو إلكترونيا، أن نبدأ مرحلة جديدة في تهيئة الرأي العام بشقيه المُشغّل والمشتغل لرفع كفاءة العامل المواطن في كل مرافق القطاع الخاص.. ليتبوأ مكانه الطبيعي، وحقه الأصلي في شغل الوظيفة بدخل كريم. عندما تُشغّل الموارد البشرية بكامل طاقتها، فإنها تخلق قوة شرائية كبرى تحرّك كل فروع الاقتصاد، وتقضي – في الوقت ذاته – على كثير من فروع الاقتصاد الطفيلي. كنا قبل الطفرة الأولى مجتمعا طبيعيا منتجا يعمل في كل فروع الاقتصاد، ولم نسمع عند جيلنا، أو جيل الآباء، أن هناك وظائف لا يشغلها مواطن لأنها لا تتناسب مع كونه مواطنا.