حِزْنَة، قرية سروية، أخذت اسمها من جبل أشم، ورد ذكره في ثنايا قصيدة للشاعر يعلى الأحول الأزدي الذي عاش في العهد الأموي، يقول: وليت لنا من ماء حزنة شربة مبردة باتت على الطهيان في تلك القرية التي تعانق السحاب وُلِدَ عالم النبات الدكتور أحمد سعيد قشاش، الذي يقول: حبي الشديد للغة العظيمة، لغة القرآن الكريم، والحديث النبوي حب انطوى عليه قلب مفعم بهوى دفين، وولع مكين بالنباتات، وتسلق الجبال، وحنين إلى ماض جميل، كنت فيه طفلاً صغيراً، ثم شاباً يافعاً، أرعى الغنم، وأحمي الزرع في قريتي الهادئة الجميلة قرية حزنة، مسقط الرأس، ومرابع الطفولة، ومدارج الصبا. ويرى الباحث الدكتور قشاش، أن البيئة هي المحفز على الاقتراب من النباتات، والتعرف على خصائصها، حيث سلك الأودية، وصعد الجبال، وما إن تخرج في المرحلة الثانوية حتى دفعت به الأقدار ليستقر في طيبة الطيبة، لتكون جبال الحجاز والسراة منطلقاً لإعداد موسوعته «النبات في جبال السراة والحجاز»، التي تعدُّ معجماً لغوياً ونباتياً مصوَّراً، اعتمد فيه المؤلف على الوصف والاستقراء في تناول ألفاظ النبات، وشرحها، والتعريف بها، وإيضاح ما بينها من اختلاف بطريقة جديدة في الفقه والاستقصاء، والوقوف على كل نبتة، وتصويرها وهي في مختلف أشكالها ومراحلها، ووصفها بالتفصيل مع الالتقاء والاستعانة بالعارفين من أعراب الحجاز والسراة، والرجوع إلى أصول ومعاجم النبات، وما ذكره المحدثون، لتمتد مساحة بحثه من أقصى جنوب الجزيرة العربية إلى جبال مدين قرب خليج العقبة، واستغرق جهده وجَلَده قرابة عشر سنوات مستخدماً أحدث ما توصلت إليه التقنية الحديثة في مجال التصوير الرقمي والفوتوجرافي، وبلغ إجمالي الصور التي التقطها 37 ألف صورة، انتخب منها 4 آلاف صورة لتوضيح صفات أكثر من 450 نبتة. يصعد الباحث قمم الجبال الشاهقة، ويهبط الأودية السحيقة مشياً على الأقدام، ليقدم عملاً عجزت عنه الأقسام والكليات المتخصصة في الجامعات السعودية، ولم يثنه هذا المنجز عن الحصول على درجة الدكتوراة بمرتبة الشرف الأولى من قسم اللغويات في الجامعة الإسلامية، وكذلك حصوله على جائزة المدينةالمنورة للتفوق العلمي مرتين، فضلاً عن جهوده في مجال البحوث والدراسات التخصصية، والمقالة العلمية في اللغة والمواضع والأنساب والنبات. واستقراءً للتاريخ والآثار يقول: إن الجزيرة العربية بوجه عام تعتبر مهد الإنسان الأول، ومن بين المواضع فيها جبلا الشدوين بما يحويانه من كهوف ومغارات استوطنها الإنسان منذ بدء الخليقة، ويعتبر جبلا الشدوين إرثاً حضارياً وثقافياً عظيماً، يجب الحفاظ عليه، والاستفادة منه، مستدلاً برسوم، ونقوش صخرية تتشابه مع رسوم كهف «لاسكو» الواقع جنوبفرنسا، بل إن النقوش الملونة الموجودة في جبل شدا، تعدُّ من أقدم الآثار البشرية في التاريخ. ولم يتوقف نشاط الدكتور قشاش على الجانب البحثي، بل ابتكر تقنية جديدة في استخدام المخلفات العضوية لإنتاج الغاز الطبيعي «غاز الميثان» في مزرعته، التي أعدها للبحث العلمي باستزراع عديد من النباتات الاقتصادية مثل: أشجار البان، والشجرة المعجزة، التي ذُكرت في كثير من قصائد الشعراء العرب، وأشجار الوقود الحيوي «الجاتروما»، وأنواع أخرى من نباتات طبية، وأشجار نادرة، أو توشك على الانقراض. ولدى الباحث اهتمامات في فك الرموز، ودراسة الخطوط والنقوش الصخرية القديمة، موضحاً خصائص الخط، وتطوره، وطريقة رسمه، ومن بين ما درسه نقش الصحابي الجليل خالد بن العاص وأبنائه، المنقوش في صخرة الكتاب بجبل مهراس، الواقع بين قريتي عالقة ومقمور في منطقة الباحة، على طريق الحاج اليمني، مبيناً أن النقوش وثيقة علمية أصيلة ونادرة، يعتمد عليها الدارسون في مقارنة وتتبع مسيرة الخط العربي وتطوره بدءاً من أزمنة مبكرة. الدكتور أحمد قشاش نموذج بارع للباحث الجاد، استحق وبجدارة الجائزة الثقافية السنوية في منطقة الباحة، ولديه كثير من الدراسات والأبحاث، التي يقول إنها ستُحدث ضجة في تاريخ الجنوب الغربي من الجزيرة العربية.