طالما أنّ الكذبَ يَهدي إلى الفجور فإنّ أيّ أسطورةٍ من قَبيل: «وامعتصماه» لن تهدي إلا إلى معارك خاسرة يكون ظاهرها الجهاد بينما باطنها قتالٌ لا يُمكن أن ترتفع راياته على سواعد ما جاء به محمد – صلى الله عليه وسلم -.كتبتُ ومن قبلُ كتب كثيرون عن أن التاريخ مثقلٌ وِزراً بالكذب والبطلان فكان لزاماً الاشتغال على تحريره من: «أغلال» فجوره تلك التي شابت نصاعته على نحوٍ جعلت منه: «شاهد زورٍ» على امتداد مراحل لم يجد بأساً كثيرون من اتخاذها: «ديناً» وربما بنوا عليها مواقفهم «الشرعية» تجاه مَن يختلفون معهم فاختلط بالتالي: «توحيدهم» بزور: «التاريخ» ما أنتج: «ولاءً وبراءً» عند التحقيق (علماً/ وتجرداً) يتبيّن عدم صحّته بالمرّة وكبير مخالفته لأصول الاعتقاد الصحيحة التي وكّدتها النصوص البيّنة من القرآن ومن صحيح السنة. ليست غاية الكتابةِ هاهنا إبطال: «فتح عموريّة» ذلك أنّها صحيحةٌ لا مريّةَ فيها لولا ما اختلط بها من تزويق/ مبالغاتٍ على النحو الذي لا يُمكن تصديقها! وقد أضحت – تلك المبالغات – سمةً بارزةً لكثيرٍ من مدوناتنا التاريخية أثناء الكتابة عن (المعارك) بخاصةٍ.. ويمكننا أن نقرأ الآن تفصيلاً مقبولاً ل: «فتح عموريّة» من خلال نص ابن كثير الآتي: (في هذه السنة – أعني سنة ثلاث وعشرين ومائتين – أوقع ملك الروم توفيل بن ميخائيل بأهل ملطية من المسلمين وما والاها ملحمة عظيمة، قتل فيها خلقاً كثيراً من المسلمين، وأسر ما لا يحصون كثرة، وكان من جملة من أسر ألف مرأة من المسلمات. ومثل بمن وقع في أسره من المسلمين فقطع آذانهم وأنوفهم وسمل أعينهم قبحه الله. وكان سبب ذلك أن بابك لما أحيط به في مدينة البذ استوسقت الجيوش حوله وكتب إلى ملك الروم يقول له: إن ملك العرب قد جهز إلي جمهور جيشه ولم يبق في أطراف بلاده من يحفظها، فإن كنت تريد الغنيمة فانهض سريعاً إلى ما حولك من بلاده فخذها فإنك لا تجد أحداً يمانعك عنها. فركب توفيل بمائة ألف وانضاف إليه المحمرة الذين كانوا قد خرجوا في الجبال وقاتلهم إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، فلم يقدر عليهم لأنهم تحصنوا بتلك الجبال فلما قدم ملك الروم صاروا معه على المسلمين فوصلوا إلى ملطية فقتلوا من أهلها خلقاً كثيراً وأسروا نساءهم، فلما بلغ ذلك المعتصم انزعج لذلك جداً وصرخ في قصره بالنفير، ثم نهض من فوره وأمر بتعبئة الجيوش واستدعى القاضي والشهود فأشهدهم أن ما يملكه من الضياع ثلثه صدقة وثلثه لولده وثلثه لمواليه. وخرج من بغداد فعسكر غربي دجلة يوم الإثنين لليلتين خلتا من جمادى الأولى ووجه بينيديه عجيفاً وطائفة من الأمراء ومعهم خلق من الجيش إعانة لأهل زبطرة، فأسرعوا السير فوجدوا ملك الروم قد فعل ما فعل وانشمر راجعاً إلى بلاده، وتفارط الحال ولم يمكن الاستدراك فيه، فرجعوا إلى الخليفة لإعلامه بما وقع من الأمر، فقال للأمراء: أي بلاد الروم أمنع؟ قالوا: عمورية لم يعرض لها أحد منذ كان الإسلام، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية. إذن فليس في الفتح ل: «عمورية» ذكرٌ ألبتة لامرأةٍ استصرخت – ندباً – المعتصم متوجعةً بقولها: «وامعتصماه» فهبّ من حينها لنجدتها! (بالمناسبة كتب التاريخ طافحة بقصة مماثلة وقعت لمعاوية والوليد والحجاج وهارون الرشيد والمأمون! كلها تشبه صاحبة عمورية.. لكنهم كلهم قد فاتهم الظفر بالشعر ممثلاً بأبي تمام!) والسبب في إغفال ابن كثيرٍ لصرخة: «المرأة/ الأسطورة» هو: أنّها لم تكن ثمّة امرأة في الأصل قد فعلت ذلك وإنما هي: «كذبة» محض اختلاقٍ استحسنه المهووسون بصناعة: «الإدهاش» في تزويق تاريخنا وذلك من خلال قصيدة أبي تمام إذ هو مَن صنع المقدمات بين يدي أسطورة المرأة -الصارخة- والشاعر من شأنه فعل ذلك خلقاً لصورةٍ شعريّة لا تتأتى إلا من خيالٍ واسعٍ وهو الأمر الذي راق لجملةٍ كبيرةٍ من المؤرخين فما كان منهم إلا أن جعلوا من هذا الخيال حقيقة فخلف من بعدهم خلفٌ استثمروا هذ الندب: «وامعتصماه» في سبيل إدانة الواقع وتجريم حالات الصمت التي تُقابل به صرخات المسلمات اليوم!! ويُحسب – في حاضرنا للشاعر الكبير أبو ريشة أوّليتَه في ترسيخ معالم القصة – المرأة الصارخة توجعاً/ وندباً- ما جعلها بالتالي محلَ يقينٍ يُخشى على مَن مسها بسؤال: هل صحّت القصة؟! يُخشى عليها من الاتهام لدينه وأنه ضدّ نصرة المسلمات اليوم اللاتي خذلن من الحكام العرب.!! ومن عجبٍ أنّ من عُنِىَ بهذه الأكذوبة ذكراً هو: «ابن خلدون»! الذي ما انفكّ في تناقضٍ تامٍ ما بين كتابته في: «المقدمة» وكتابته لتاريخه بصورةٍ فجّة لا تستقيم وإعماله العقل! كما وأنّ ذِكر: «ابن الجوزي» لها ومن قبله: «ابن الأثير» لا معنى له من حيث إثبات صحّتها ذلك أنّها عند المحققين دون سندٍ – لا خطام ولا زمام- وعند آخرين بطلانها أبان عنه متنها. ويكفينا أن مؤرخ: «العباسيين» ابن جرير الطبري لم يذكرها مطلقاً! وللذين لا يعرفون: «المعتصم» حقّ المعرفة نذكّرهم بأنّه – ما غيره – هو ذلك الذي ألهب ظهر إمام السنّة أحمد بن حنبل حتى خلع له كتفيه وهو من تبّنى عن جهلٍ كلّ ما انتهى إليه ابن أبي دؤاد المعتزلي من فكرٍ وعمل! واقرأ إن شئت سيرته لدى الذهبي في سير أعلام النبلاء إذ وكّد أنّ المعتصم نشأ مترفاً كارهاً للعلم من صغره وانتهى به الأمر أن مات أمياً أو شبه أمي!!.